يدخل الشرق الأوسط عام 2025 في مرحلة تحول عميق، لم تعد فيه المؤشرات التقليدية كافية لفهم التفاعلات القائمة أو استشراف مستقبل المنطقة. فبينما تتراجع بؤر الصراع المباشر في بعض الساحات، تتنامى أخرى في أماكن مختلفة، مما يجعل المشهد العام أكثر تعقيداً، في ظل تداخل العوامل السياسية، الاقتصادية، والأمنية. وفي هذا السياق، يبرز سؤال جوهري: هل تتجه المنطقة إلى استقرار نسبي، أم إلى جولات جديدة من الفوضى والصراع الممتد؟
الملمح الأساسي لمشهد 2025 يتمثل في استمرار سيولة النظام الإقليمي العربي، وتراجع مركزية القرار، مقابل صعود الأوزان النسبية للقوى الإقليمية غير العربية، مثل تركيا وإيران، فضلاً عن الأدوار المتنامية للقوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، الصين، وروسيا. وبين هذه القوى، يتحرك الفاعل العربي في محاولة لاستعادة المبادرة عبر بناء تحالفات جديدة، وإطلاق مشاريع إصلاح اقتصادي وتنموي تتجاوز السياسات التقليدية.
في قلب هذه التحولات، تعود الولايات المتحدة للعب دورها التقليدي في تأمين ممرات الملاحة الدولية، خاصة في البحر الأحمر، عبر سياسة التدخل المحدود، حيث ركزت الإدارة الأميركية على الضربات الجوية الدقيقة ضد جماعة «الحوثي» في اليمن بعد استهدافهم المتكرر لخطوط الملاحة وناقلات النفط. هذه الضربات جاءت كرسالة واضحة بأن واشنطن لن تسمح بأي تهديد لأمن الطاقة العالمي، أو تحويل البحر الأحمر إلى ساحة تهديد مستمر، لكنها في الوقت نفسه لم تتطور إلى تدخل عسكري شامل، في إطار سياسة إدارة الأزمات دون الانخراط في حروب طويلة الأمد.
أما إيران، فهي تواصل اللعب على حافة التصعيد، من خلال أذرعها الإقليمية، خصوصاً في اليمن، العراق، ولبنان. ورغم الضغوط الأميركية والغربية، فلا تزال طهران تراهن على استراتيجية «الصبر الاستراتيجي» مع الحفاظ على نفوذها الإقليمي، حتى مع دخولها جولة مفاوضات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، الذي لا يزال نقطة توتر أساسية، مرشحة للانفجار في أي لحظة.
في سوريا، يشهد الملف حالة جمود استراتيجي، حيث لم تشهد البلاد منذ بداية عام 2025 أي تصعيد عسكري أميركي واسع، باستثناء عمليات محدودة ضد قيادات «القاعدة» في إدلب. في المقابل، تستمر روسيا في تثبيت قواعدها على الساحل السوري، بينما تنخرط تركيا في مزيج من التنسيق والصراع في الشمال السوري، لتعزيز نفوذها الأمني والاقتصادي، مع سعيها الحثيث لترسيخ وجود دائم في مناطق ذات أهمية استراتيجية.
تركيا باتت اليوم فاعلاً رئيسياً لا يمكن تجاوزه، حيث تمزج بين توسيع حضورها العسكري في ليبيا وسوريا، وتعزيز شراكاتها الاقتصادية في الخليج العربي وشرق أفريقيا. هذا الدور التركي الجديد يمثل تحدياً وفرصة على حد سواء للدول العربية، التي تسعى لضبط علاقتها بأنقرة بما يخدم استقرار المنطقة، ويجنبها صراع المحاور التقليدي.
في لبنان، يقود التحالف الأميركي -الفرنسي- العربي مساراً سياسياً جديداً، تمثل في فرض توافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد، وتشكيل حكومة تهدف إلى إعادة هيكلة الدولة. ورغم الضغوط الاقتصادية التي لا تزال تثقل كاهل اللبنانيين، إلا أن هذا المسار السياسي، وإنْ كان هشاً، يمثل فرصة حقيقية لإعادة لبنان إلى موقعه العربي والدولي، بعيداً عن الهيمنة الإيرانية المتجذرة.
العراق يظل ساحة مفتوحة للتجاذب بين مشروع الدولة الوطنية، الذي تدعمه أطراف عربية ودولية، والنفوذ الإيراني العميق، الذي يحاول الحفاظ على مكاسب سياسية وعسكرية. ويزداد المشهد تعقيداً مع تنامي المطالب الشعبية بمكافحة الفساد وتحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي، بينما تبقى المخاوف قائمة من تجدد الصراع الطائفي أو الميليشياوي.
على صعيد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يظل المشهد جامداً. إسرائيل تستثمر حالة الدعم الأميركي اللامحدود، بينما تعاني الساحة الفلسطينية من الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي، مما يجعلها أكثر عرضة لانفجارات متكررة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. ومع ذلك، تبقى بعض الدول العربية حريصة على استمرار التهدئة، خوفاً من اندلاع مواجهات تعيد المنطقة إلى مربع الصفر.
التحالفات العربية الإقليمية تشهد تطوراً ملحوظاً، لا سيما في الجانب الأمني والدفاعي، مع إعادة تفعيل مشاريع التعاون المشترك في إطار مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، بالإضافة إلى شراكات جديدة مع القوى الكبرى، كالصين والهند، لتعزيز الأمن الاقتصادي وتوسيع قاعدة المصالح المشتركة.
حتى عام 2030، ستظل الفرصة قائمة أمام الدول العربية لتشكيل نظام إقليمي جديد، قائم على الاستقرار والتنمية، بشرط الاستثمار الجاد في مشروعات بناء الدولة الحديثة، والتنويع الاقتصادي، والتحديث السياسي، مع القدرة على إدارة التحديات الأمنية بحكمة. في المقابل، تبقى مخاطر العودة إلى الفوضى قائمة إذا ما استمر فشل الترتيبات السياسية، وتصاعدت التوترات الطائفية والعرقية، أو انزلقت القوى الكبرى في صراعات بالوكالة على أراضي المنطقة.
الخلاصة، أن الشرق الأوسط في عام 2025 ليس كما كان عليه في العقد الماضي. فهو اليوم ساحة صراع مفتوحة، وفرصة في الوقت ذاته. الرابح فيه من يمتلك القدرة على الجمع بين قوة الردع، ومرونة الدبلوماسية، وجرأة المبادرة. أما الخاسر، فهو من يظل رهيناً للانقسامات الداخلية، وعاجزاً عن قراءة التغيرات العالمية، وفهم موازين القوى الجديدة التي ترسم ملامح العالم حتى عام 2030.
*لواء ركن طيار متقاعد