في 20 مارس من كل عام، تحتفل دول العالم بـ «اليوم الدولي للسعادة»، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 2012، واعتبرته هدفاً إنسانيّاً أساسيّاً، ودعت إلى «اتباع نهج أكثر شمولاً وإنصافاً وتوازناً تجاه النمو الاقتصادي يحقق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، والسعادة والرفاه لجميع الشعوب».
ويمثل الاحتفال بهذا اليوم فرصة مثالية لإذكاء الوعي بقيمة السعادة كمكون أساسي لحياة كريمة ومزدهرة للأفراد والمجتمعات على حد سواء، ومحرك قوي للتنمية المستدامة، إذ يتجاوز حدود الاحتفال العابر ليصبح وقفة تأمل وتفكير في الدور المحوري الذي تلعبه السعادة كعامل حاسم في إرساء دعائم السلم والاستقرار الاجتماعيين.
 وتولي دولة الإمارات هذا المفهوم الإنساني النبيل أهمية بالغة، بحكم عنايتها بتوفير كل الظروف والمقومات المادية والمعنوية التي تجعل حياة الإنسان أفضل. كما تبرز الدولة بوصفها رائداً عالميّاً في اعتماد سياسات تُعنى بتعزيز الرفاهية والسعادة لسكانها، وترى فيها خياراً استراتيجيّاً والتزاماً وطنيّاً متجذراً في رؤيتها السياسية والمجتمعية، وقد ترجمته عملياً، ضمن هياكلها الإدارية والحكومية، من خلال رسم وتنفيذ برامج ومبادرات نوعية تستهدف الارتقاء بجودة الحياة لكل من يقيم على أرضها.
وتتجلى ثمار هذه السياسات الحكيمة في الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات على الساحة الدولية، والتي تعكسها التصنيفات والمؤشرات الدولية الموثوقة في هذا المجال. ومن الأمثلة على هذه الإنجازات، احتلال الدولة المرتبة الثانية والعشرين عالمياً، والأولى عربياً، في التقرير السنوي للسعادة العالمية للعام 2024، وهو تصنيف يصدر عن شبكة تنمية الحلول المستدامة التابعة لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة.
وتشير دراسات اجتماعية عدة إلى أن السعادة تشكل العمود الفقري لبناء المجتمعات المزدهرة والمتقدمة، فهي تسهم بفعالية في تعزيز الصحة العقلية والنفسية للأفراد، وتمكينهم من مجابهة تحديات الحياة بصدر رحب وروح متفائلة. وعلى ضوء هذا الفهم العميق لأهمية السعادة، بادرت حكومة الإمارات في عام 2016، إلى تأسيس أول وزارة مخصصة للسعادة والرخاء في العالم، بغية تكريس مبدأ السعادة كركن أساسي في معادلة التنمية المستدامة. وهذه الوزارة الفريدة من نوعها تتجاوز بكثير مهمة صياغة سياسات هادفة لرفع مؤشرات السعادة، لتشمل العمل الميداني الدؤوب لتجسيد تلك الأهداف النبيلة وتحويلها إلى حقائق ملموسة يعيشها المواطنون والمقيمون يومياً.
ولم تتوقف طموحات القيادة الإماراتية عند هذا الحد، بل سعت إلى تحقيق رؤيتها الطموحة الهادفة لإرساء أسس رخاء مجتمعي شامل ومستدام من خلال وضع استراتيجيات وخطط تحول هذا المفهوم إلى واقع معيش. وفي هذا الإطار، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، «البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة» عام 2016، بهدف جعل السعادة أسلوب حياة وثقافة سائدة في المجتمع الإماراتي. ويتضمن البرنامج مجموعة شاملة من التدابير والسياسات الرامية لزرع الإيجابية والبهجة كأسلوب حياة يومي لسكان الدولة من مواطنين ومقيمين، بالإضافة إلى إنشاء مؤشر خاص بقياس معدلات سعادة الناس ورضاهم كآلية فعالة لصياغة سياسات عامة تستجيب لاحتياجاتهم وتطلعاتهم.
وتركز الدولة في إطار نشر السعادة والإيجابية على خمسة مجالات رئيسية، منها: تعزيز السعادة والإيجابية كثقافة مؤسسية متأصلة في القطاع الحكومي، وتطوير بيئة عمل محفزة ومشجعة على الإبداع والإنتاجية، وبناء نظام متكامل لقياسات السعادة بما يعكس الواقع الحقيقي للمجتمع، وإطلاق سلسلة من المبادرات النوعية مثل مبادرة «صناع السعادة» الإلكترونية التي تهدف لنشر التوعية بأهمية السعادة ودورها الحيوي في بناء مستقبل مشرق للدولة ومجتمعها.
وفي هذا الصدد، يمكن القول بثقة إن الإمارات أصبحت نموذجاً وملهماً للدول الأخرى في مجال نشر ثقافة السعادة والإيجابية، فهي لا تقصر في جهودها على تطبيق سياسات محلية فقط، بل تتعدى ذلك إلى المساهمة الفعالة في تعميم قيم السعادة ومفاهيمها إقليمياً وعالمياً، اقتناعاً مِن الدولة بأن السعادة ليست مجرد ترف ورفاهية اجتماعية، بل هي حق إنساني أصيل وضرورة ملحة لبناء حضارة إنسانية متقدمة ومتوازنة.

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.