مع دخولنا عام 2025، بات واضحاً أن المشهد الدولي يزداد تعقيداً، وأن التحولات الكبرى التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة لم تكن سوى مقدمات لمرحلة أكثر اضطراباً. لم يعد النظام العالمي كما كان، ولم تعد القوى التقليدية تهيمن بنفس القوة والوضوح كما في العقود الماضية. هناك تغييرات جذرية في موازين القوى، وتحولات اقتصادية كبرى، وصراعات لا تزال مستمرة، بينما تلقي التكنولوجيا بظلالها على كل شيء، من الاقتصاد إلى الأمن والسياسة.

عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعادت رسم معالم السياسة الأميركية والدولية، مع سياسات جديدة أعادت المواجهة مع الصين وروسيا إلى واجهة المشهد. قراراته الاقتصادية خلقت موجات من عدم اليقين في الأسواق العالمية، بينما أدى تبنيه لسياسات حمائية جديدة إلى تفاقم التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، مما انعكس على سلاسل التوريد العالمية ودفع العديد من الشركات إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها التصنيعية.

لكن في المقابل، لم تعد الصين القوة الصاعدة الوحيدة، فقد بدأت دول مثل الهند والبرازيل وتركيا تلعب أدواراً أكثر تأثيراً، ما عزز من فكرة أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية حقيقية، حيث لا يستطيع أي طرف فرض هيمنته المطلقة، كما كان الحال في العقود الماضية. الاقتصاد العالمي يواجه تحديات مستمرة، فبينما تحاول الدول الكبرى السيطرة على التضخم، لا تزال الأسواق تعاني من تداعيات السياسات النقدية المتشددة التي تبنتها البنوك المركزية خلال السنوات الأخيرة.

أسعار الفائدة المرتفعة أثرت على حركة الاستثمار، فيما تواجه الاقتصادات الناشئة صعوبات في الحصول على التمويل اللازم لمواصلة مشاريعها التنموية. من جهة أخرى، بدأ التحول نحو الطاقة المتجددة يأخذ أبعاداً أكثر جدية، حيث تضاعفت الاستثمارات في هذا القطاع، مدفوعة بارتفاع أسعار الوقود الأحفوري والتوجه العالمي نحو تقليل الانبعاثات الكربونية.

ومع ذلك، فإن العديد من الدول النامية لا تزال تكافح لتحقيق هذا التحول دون المساس بأمنها الاقتصادي. في الشرق الأوسط، لا تزال التوترات الإقليمية تلقي بظلالها على مستقبل المنطقة. الحرب في غزة لم تصل إلى حل واضح، والوضع في اليمن لا يزال معقداً، بينما تستمر التحديات في لبنان وسوريا، مع غياب حلول سياسية حقيقية.

ومع ذلك، شهدت العلاقات بين السعودية وإيران تطورات إيجابية ساعدت على تهدئة بعض الجبهات، وإن كانت المخاوف من تجدد التوترات لا تزال قائمة. الملف النووي الإيراني أيضاً يظل نقطة ساخنة، حيث لم تحقق المفاوضات أي اختراق حقيقي، بينما تواصل طهران توسيع برنامجها النووي وسط عقوبات دولية متزايدة. أما في مجال التكنولوجيا، فقد شهد الذكاء الاصطناعي قفزات غير مسبوقة، وبات تأثيره أكثر وضوحاً على مختلف جوانب الحياة. في قطاعات مثل التصنيع والخدمات المالية وحتى الإعلام، أصبح الاعتماد على الأنظمة الذكية أمراً لا يمكن الاستغناء عنه، مما أثار مخاوف بشأن تأثيره على سوق العمل والاقتصادات التقليدية.

كذلك، دخل الذكاء الاصطناعي بقوة في المجال العسكري، حيث تم تطوير أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة، مما يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية غير مسبوقة. السباق نحو الجيل السادس من الاتصالات أيضاً أصبح محط اهتمام الدول الكبرى، حيث تتسابق القوى التكنولوجية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي للهيمنة على هذا المجال، لما له من تأثير على الأمن والاقتصاد والاتصالات العالمية.

وسط كل هذه التحولات، يبقى السؤال الأهم: إلى أين يتجه العالم؟ هل نحن أمام مرحلة من الاستقرار بعد هذه الاضطرابات، أم أن السنوات المقبلة ستشهد مزيداً من الأزمات والتغيرات الجذرية؟ الكثير من المؤشرات تشير إلى أن التحديات ستستمر، لكن الفرص لا تزال قائمة لمن يسعى إلى التكيف والابتكار. عام 2025 ليس مجرد عام آخر في التقويم، بل هو نقطة تحول في مسار العالم الحديث، حيث تعيد الدول والمؤسسات وحتى الأفراد صياغة استراتيجياتهم لمواكبة عالم جديد مليء بالتغيرات والمفاجآت.

*لواء ركن طيار متقاعد.