وأخيراً، تعهد كير ستارمر، رئيس وزراء المملكة المتحدة بزيادة الإنفاق على القوات المسلحة البريطانية إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وإلى 3% في مرحلة ما غير محددة خلال ثلاثينيات القرن الحالي. بعد الخطاب الغاضب للرئيس دونالد ترامب بشأن تقاعس أعضاء حلف «الناتو» عن تحمل أعباء الدفاع، أدرك ستارمر أنه لا يمكنه الذهاب إلى البيت الأبيض خالي الوفاض.

والحل يهدف إلى تحقيق أكثر من هدف واحد، ورفع مكانة المملكة المتحدة في الغرب.لذلك تعتمد صيغة ستارمر الذكية على خفض ميزانية المساعدات الخارجية من 0.5% إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي لتمويل الزيادة، وهو ما يتماشى مع توجهات الإدارة الأميركية التي قامت مؤخراً بإلغاء برامج مساعداتها الخارجية.

والواقع أن معضلة «الأسلحة مقابل الرفاهية»، التي تواجه جميع الحكومات الديمقراطية تحت تهديد الحروب، قد تم تأجيلها في الوقت الحالي على الأقل. ويمكن تأجيل إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، الذي قد يوفر مليارات أكثر ولكنه سيسبب معاناة سياسية أكبر لحزب العمال، إلى يوم آخر. ولن تضطر وزيرة الخزانة «راشيل ريفز» إلى رفع الضرائب أو زيادة الاقتراض.

وقد تعهد كل من حزبي المحافظين والديمقراطيين الليبراليين في المعارضة بدعم زيادة الإنفاق العسكري. كما أن ستارمر يلعب ورقة الوطنية تحت شعار حكومته «آمنون في الداخل، أقوياء في الخارج». وقد يكون ذلك مطمئناً للناخبين من الطبقة العاملة الذين ينجذبون بشكل متزايد إلى حزب الإصلاح الشعبوي البريطاني، الذي سبق لزعيمه نايجل فاراج أن أعرب عن إعجابه بفلاديمير بوتين. كما سيسعد ما يسمى فصيل «العمال الأزرق» القومي المعتدل بوعد رئيس الوزراء بأن الإنفاق الدفاعي سيساهم في تعزيز القاعدة الصناعية للبلاد.

وحتى الآن، يبدو أن قراراته سياسية بارعة. لكن، للأسف، تأخرت بريطانيا وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي كثيراً في الوصول إلى هذه «اللحظة الفاصلة». فقد قوبلت التحذيرات المتكررة من الرؤساء جورج بوش الابن وباراك أوباما وترامب بضرورة أن تتحمل أوروبا مزيداً من المسؤولية في الدفاع عن نفسها بالتمنيات والتسويف. لقد تجاهلت المملكة المتحدة تحذيرها الخاص في عام 2011 عندما اضطرت حكومة ديفيد كاميرون المحافظة، جنباً إلى جنب مع فرنسا، إلى طلب المساعدة من واشنطن لإنقاذ حملة القصف ضد معمر القذافي في ليبيا.

فقد كانت أوروبا تفتقر إلى القدرات اللوجستية والتوجيهية للحفاظ على جهودها بشكل مستقل. وعلى الرغم من أن بريطانيا كانت أحد الموقّعين الأصليين على مذكرة بودابست لعام 1994، التي تضمن حدودَ أوكرانيا، فقد تخلى كاميرون عن الموقف لصالح ميركل وفرانسوا هولاند للتفاوض مع روسيا بعد سيطرتها على القرم ودخولها منطقةَ دونباس في عام 2014. ثم شجع كاميرون «الناتو» على تحقيق هدف إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، لكن القوات المسلحة البريطانية استمرت في الانكماش من حيث الحجم والقدرة.

ومن حيث القيمة الحقيقية، تقلص الإنفاق الدفاعي حتى العام 2021. هذا الإرث يلقي بظلاله على ستارمر، الذي اقترح مساهمة بريطانية كبيرة في قوة حفظ سلام في أوكرانيا بعد التوصل إلى وقف إطلاق نار (لا يزال ذلك افتراضياً) بين واشنطن وموسكو. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل الجيش البريطاني في حالة جيدة للقتال، أو حتى للردع؟

جدير بالذكر هنا أنه في نهاية الحرب الباردة، كان قوام الجيش البريطاني 180000 جندي. وخلال حرب العراق الثانية بين عامي 2003 و2004، تمكنت بريطانيا من إبقاء قوة ميدانية قوامها عشرات آلاف الجنود بميزانية دفاعية مماثلة لما هي عليه اليوم. لكن مع دخول العقد الأول من القرن الـ21، أصبح الجيش البريطاني يعتمد على ما تبقى من ميزانيات سابقة. حتى عام 1996، لم ينخفض الإنفاق الدفاعي عن 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن بلغ أكثر من 4% في عهد مارجريت تاتشر. وبعد تخفيضات توني بلير وكاميرون، أصبح قوام الجيش الآن 72000 جندي، وكان من المقرر خفضه بمقدار 2000 جندي إضافي.

لقد استسلم حزب العمال لإغراء إعادة صياغة الدستور، حيث أعلن وزير الدفاع جون هيلي، الأسبوع الماضي، أن القوات المسلحة ستحصل على «زيادة قدرها 13.4 مليار جنيه إسترليني (17 مليار دولار) سنوياً مقارنة بالوضع الحالي». ويتبع هذا النهج نفسه الذي استخدمه سلفه المحافظ، الذي وعد بإنفاق إضافي قدره 75 مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2030، لكن في الواقع، ستنفق الحكومة 6 مليارات جنيه إسترليني إضافية سنوياً فقط فوق الزيادات الطبيعية لمواكبة التضخم.لكن، كيف سيتم استخدام هذه الأموال؟ من غير المرجح أن يرتفع قوام الجيش إلى 110000 جندي، وهو العدد الذي يُرجح أنه الحد الأدنى اللازم لتنفيذ جميع المهام المطلوبة منه. وبدلاً من ذلك، يحتمل أن تسرّع المراجعة الاستراتيجية الدفاعية القادمة عملية تحول القوات الحالية. وقد أوضح رئيس الأركان العامة الجديد، الجنرال «رولي ووكر»، الحاجة إلى الاستعداد لـ«حدث كبير في 2027-2028»، في إشارة إلى احتمال نشوب صراع مسلح. وباستخدام أحدث تقنيات الكمبيوتر والأسلحة الحديثة، مثل الطائرات المسيّرة والليزر، يجب على كل لواء مكون من 5000 جندي مضاعفة قوته القتالية بحلول عام 2027، ثم مضاعفتها ثلاث مرات بحلول عام 2030، كل ذلك دون زيادة في عدد الأفراد. وجدير بالذكر أن هذه الإصلاحات ضرورية، لكنها ليست كافية. إذا نفّذ ترامب تهديداته، فسيكون الضرر الذي سيلحق بقدرة أوروبا على شن الحروب هائلا، وسيحتاج إلى سنوات وإنفاق استثنائي لتعويضه. وبالنسبة للبريطانيين على وجه الخصوص، سيكون انسحاب أميركا كارثياً، إذ إن قواتهم المسلحة متكاملة مع نظيرتها الأميركية على جميع المستويات.

حتى لو استمر تبادل المعلومات الاستخباراتية للمصلحة المشتركة، فإن الانفصال عن التخطيط العسكري سيخلق أزمة جديدة للمملكة المتحدة.لذلك، ليس أمام ستارمر خيار سوى اتباع نهج دبلوماسي وكسب الوقت. عليه أن يُرضي ترامب ويجعله يعتقد أنه انتصر عبر إجبار الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي. ويجب على المملكة المتحدة وأوروبا العمل على تعزيز قواتهما المسلحة وزيادة قدراتهما القتالية، تحسباً لاحتمال أن يقرر هذا الرئيس الأميركي، أو أي رئيس آخر، فك ارتباط بلاده بحلف «الناتو».

 

مارتن إيفنز*

*كاتب متخصص في الشؤون الدفاعية والأمنية بلومبيرج اوبينيون

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج أند سينديكيشن»