يجب على ترامب دعم أي اتفاقية للمعادن باستثمارات جوهرية ودبلوماسية فعّالة. ولسنوات عديدة، بينما كانت الصين تحصل على المعادن الاستراتيجية من جميع أنحاء العالم، نادراً ما استخدمت الولايات المتحدة سياستها الخارجية للحصول على المعادن التي تحتاج إليها. لكن هذا الوضع تغيّر أخيراً - وبشكل جذري. فخلال أول 40 يوماً من ولاية الرئيس ترامب، أعرب عن اهتمامه بشراء جرينلاند بسبب احتياطياتها من العناصر الأرضية النادرة، وضم كندا التي تمتلك احتياطيات هائلة من اليورانيوم والنحاس، وتأمين السيطرة على العناصر الأرضية النادرة والتيتانيوم في أوكرانيا مقابل استمرار الدعم الأميركي. وبعد الخلاف بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الجمعة قبل الماضية في المكتب البيضاوي، أصبح مصير اتفاق المعادن مع أوكرانيا غير مؤكد.
ومع ذلك، قال زيلينسكي إنه لا يزال «مستعداً» لتوقيع الاتفاق، بينما صرح ترامب بأنه لا يعتقد أن الاتفاق قد انتهى تماماً. سواء تم توقيع الاتفاق مع أوكرانيا أم لا، فإن دمج المعادن في السياسة الخارجية أمر بالغ الأهمية للأمن القومي الأميركي. ومع ذلك، فإن هذا الجهد قد يظل بلا فائدة إذا لم يتم تخصيص استثمارات حكومية وموارد دبلوماسية كما فعلت الصين، مما قد يؤدي إلى فشل هذه المبادرة في تحقيق أي نتائج.
تمتلك الولايات المتحدة أقل من 2% من احتياطيات العالم من العناصر الأرضية النادرة، والجرافيت، والكوبالت، والنيكل، لذا يتعين عليها العمل عن كثب مع الدول الغنية بالموارد لضمان حصول الشركات الأميركية على المعادن، التي تحتاجها لتصنيع الهواتف، وبطاريات السيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات، وغيرها من المنتجات.
تواجه الصين تحديات مماثلة، لكنها جعلت من الدبلوماسية المعدنية جزءاً أساسياً من سياستها الخارجية. فعلى الرغم من أن إنتاجها من الليثيوم، والكوبالت، والنيكل، والنحاس يمثل ما بين 1% و10% فقط من الإنتاج العالمي، إلا أنها تستورد ما يكفي لمعالجة أكثر من 65% من بعض هذه المعادن، و90% من العناصر الأرضية النادرة. هذا المستوى من السيطرة هو نتيجة سنوات من التخطيط الصناعي الاستراتيجي والجهود الدبلوماسية التي تبذلها بكين. ويبدو أن ترامب يتبع نهج الصين في الدبلوماسية المعدنية النشطة.
فوفقاً لمصادر، ينص مشروع الاتفاق مع أوكرانيا على إنشاء صندوق يخضع للسيطرة المشتركة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لاستقبال العائدات المستقبلية من الموارد الطبيعية الأوكرانية. لكن حتى لو تم توقيع الاتفاق، فمن غير الواضح ما إذا كان سيعزّز الأمن المعدني الأميركي بالفعل، حيث قد يستغرق الأمر عقوداً حتى يظهر تأثيره، إن كان له تأثير على الإطلاق. تملك الولايات المتحدة معلومات قليلة عن الموارد الجوفية في أوكرانيا، إذ لم تُجرَ أي عمليات مسح جيولوجي حديثة هناك، حيث يُعتقد أن آخر المسوحات أُجريت قبل 30 إلى 60 عاماً خلال الحقبة السوفييتية. وبدون بيانات جيولوجية حديثة، يستحيل تحديد ما إذا كانت هذه الموارد قابلة للاستخراج اقتصادياً. فإذا كانت جودة الخام منخفضة جداً، أو كانت الرواسب صغيرة، أو لم تكن المنتجات الثانوية ذات قيمة كافية، فمن غير المرجح أن تستثمر الشركات الخاصة المبالغ الضخمة اللازمة -التي تتراوح بين 500 مليون إلى مليار دولار- لتطوير منجم ومصنع للفصل والمعالجة. وعلاوة على ذلك، بموجب مشروع الاتفاق، ستلتزم أوكرانيا بدفع نسبة من عائدات الموارد المعدنية الجديدة إلى صندوق إعادة الإعمار الذي يخضع للملكية المشتركة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بينما العمليات المعدنية والنفطية والغازية القائمة معفاة. وبالنظر إلى أن متوسط الفترة الزمنية لتطوير منجم من مرحلة الاكتشاف إلى الإنتاج تصل إلى 18 عاماً، فإن الأمر سيستغرق أربع دورات انتخابية أميركية أخرى على الأقل قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من الاستفادة من معادن أوكرانيا.
وهناك طرق لجعل الدبلوماسية المعدنية أكثر فاعلية، لكن ذلك يتطلب استعداداً من الحكومة الأميركية ليس فقط لإبرام الصفقات، ولكن أيضاً للإنفاق والاستثمار على مدى فترة طويلة في البلدان، التي تمتلك الموارد المعدنية التي تحتاجها الولايات المتحدة. قد يكون هذا صعباً في ظل التقشف المالي والتخفيضات في ميزانية الحكومة الفيدرالية.
ولكن الصين لم تبنِ ميزة تنافسية كبيرة في تصنيع السيارات الكهربائية من خلال خفض الإنفاق، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الحكومة الصينية خصصت ما لا يقل عن 230.9 مليار دولار بين عامي 2009 و2023 لدعم تطوير هذا القطاع الناشئ. ونتيجة لذلك، أصبحت سيارات شركة «BYD» تهيمن عالمياً على سوق السيارات الكهربائية. إذن، كيف يمكن للحكومة الأميركية أن تستثمر الموارد اللازمة لبناء استراتيجية دبلوماسية معدنية تنافسية؟
أولاً، ينبغي على الولايات المتحدة تعزيز قدرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لإجراء الخرائط الجيولوجية، وتقليل مخاطر الاستكشاف في المناطق الرئيسية. كما يمكن تعيين خبراء جيولوجيين تابعين لهيئة المسح الجيولوجي في السفارات الأميركية للعمل جنباً إلى جنب مع وزارات التعدين في البلدان المضيفة، لتعزيز استراتيجيات التنمية التي تفيد المستثمرين الغربيين. ثانيًا، تحتاج الولايات المتحدة إلى المساعدة في بناء الطرق والجسور والبنية التحتية الأخرى في المناطق الغنية بالمعادن.
يُعد التعدين أحد أكثر القطاعات استهلاكاً للطاقة في العالم، حيث يمثل 38% من استهلاك الطاقة الصناعية عالمياً.. أي اتفاقية تعاون بين الحكومات لن تكون ذات جدوى إلا إذا حفّزت استثمارات الشركات الخاصة في التعدين، التي تقوم بتحويل هذه المعادن إلى مواد يمكن استخدامها في منتجات مثل أجهزة «آبل» و«تسلا». ولكن الدول الأكثر غنى بالموارد، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليست بيئات سهلة للأعمال التجارية. يمكن للحكومة الأميركية أن تساعد في تقليل هذه المخاطر من خلال دعم مفاوضات مشاريع التعدين، وحلّ النزاعات، وتقديم تمويل بأسعار فائدة منخفضة، والتأمين ضد المخاطر السياسية.
يجب على الولايات المتحدة أن تضع خطة واضحة لكيفية تنفيذ دبلوماسيتها المعدنية في أجزاء أخرى من العالم، وليس فقط في أوكرانيا. فقد عرضت جمهورية الكونغو الديمقراطية مؤخراً منح الولايات المتحدة وأوروبا حق الوصول إلى مواردها المعدنية مقابل الحصول على مساعدات عسكرية في ظل صراعها مع الميليشيات المتمردة. يُعد التعدين عملية طويلة ومكلّفة، وإذا أرادت أميركا أن تكون رائدة عالمياً في تأمين المعادن الحيوية لأمنها الوطني والاقتصادي والطاقة، فسيتعين عليها أن تتجاوز مجرد توقيع الاتفاقيات، حيث إن الدبلوماسية الاستراتيجية والاستثمارات الجوهرية هي التي ستحدد ما إذا كانت هذه الاتفاقيات ستؤتي ثمارها أم لا.
جراسيلين باسكاران*
* مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»