في كل مرة يواجه فيها الكونجرس موعداً نهائياً لتمويل الحكومة، تُذَكّر واشنطن نفسها -في النهاية- بأن عمليات الإغلاق الحكومي تستحق تجنبها. وهذا حديث مألوف ومتكرر للغاية. لكن ما هو غير مألوف هو احتمال قضاء عام كامل دون تمرير مخصّصات جديدة -والبرامج والقدرات الجديدة التي تتضمنها- للدفاع الوطني. فلم يحدث قط في التاريخ الحديث أن أجبرت واشنطن المؤسسة العسكرية الأميركية على قضاء عام كامل في مواجهة تحديات المستقبل بميزانية الماضي.
واليوم، نحن أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق هذا السجل غير المشرّف. ويجب علينا أن نكون صادقين بشأن العواقب التي ستترتب على ذلك، تجاه رجالنا ونسائنا في الخدمة، وتجاه دافعي الضرائب.
إن السلع الاستهلاكية ليست الوحيدة التي أصبحت أكثر تكلفة في السنوات الأخيرة. ففي أوقات التضخم المرتفع، فإن إدارة الأمور دون اعتمادات محدّثة تعني انخفاض القوة الشرائية للبنتاجون. وإجبار الجيش الأميركي على تجهيز نفسه لمواجهة تهديدات المستقبل بأسعار اليوم، وبأموال العام الماضي هو وصفة لكارثة محقّقة.
حتى مع قيام الجهات المختصة في البنتاجون بالبحث عن كفاءات وتوفير في التكاليف، فإن عمليات الشراء الفعّالة للمعدات العسكرية لا تزال تتطلب خططاً تمتد لسنوات. إن اعتماد قرار استمرار تمويل الحكومة للعام بأكمله عند المستوى المحدد للسنة المالية 2024 يعني عدم البدء في تنفيذ برامج حيوية يحتاج إليها الجيش للتكيف مع ساحة المعركة المتغيرة بسرعة، مثل أنظمة الدفاع بالطاقة الموجهة ضد الطائرات المسيرة والصواريخ. عدم البدء في هذه البرامج هذا العام يعني تقليل القدرات المتاحة للمقاتلين بعد عامين أو خمسة أو حتى عشرة أعوام من الآن.
ولكي نكون واضحين، نحن لا نقترب من هذا الهاوية فحسب - بل نحن نندفع نحوها بسرعة. فقد أشرفت السنة المالية على الانتصاف. وبحلول 14 مارس، فإن الفشل في تمرير مخصّصات الدفاع للعام الكامل، والذي كان من المفترض تحقيقه الخريف الماضي، سيكلف دافعي الضرائب 17 مليار دولار من القوة الشرائية الدفاعية. وبعبارة أخرى، فإن التعامل مع التضخم الحالي والمتطلبات الجديدة بالمستويات التمويلية القديمة، قد أدى بالفعل إلى عجز فعلي بقيمة 103 ملايين دولار يومياً.
تكريس ما تبقى من السنة المالية لهذا الواقع القاسي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الضرر. إن تمديد ميزانية 2024 حتى نهاية السنة المالية 2025 يعني أن وزارة الدفاع، لن تمتلك الأموال الكافية لدفع رواتب مليوني عسكري - خاصة بعد احتساب زيادة رواتب صغار المجندين بنسبة 10% التي تم إقرارها العام الماضي. ومن المؤكد أن تعويض هذا العجز سيتطلب على الأرجح تحويل الأموال التي خصّصتها القوات المسلحة لمهام وقدرات أخرى بالغة الأهمية.
وقضاء العام بأكمله تحت مستوى تمويل السنة المالية 2024 سيعني عدم توفر الأموال أو التصاريح لـ168 برنامجاً جديداً - العديد منها ضروري للتفوق على الصين في الفضاء والفضاء الإلكتروني. في السباق نحو تعزيز القوة وردع العدوان في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سيضع ذلك القوات الأميركية وحلفاءنا الإقليميين في وضع أكثر تأخراً.
على وجه التحديد، سيؤدي ذلك إلى إيقاف بناء وإعادة تزويد ما يصل إلى 26 سفينة حربية تابعة للبحرية. كما سيؤخر بناء ثلاث مدمرات جديدة، وما يصل إلى 10 غواصات جديدة من فئة «فرجينيا»، وأربع غواصات جديدة من فئة «كولومبيا» (التي تمثل جزءاً حيوياً من الثالوث النووي).
إن تكاليف ردع الحرب لا تقارن بتكاليف خوضها. إذا كان الكونجرس غير مستعد للاستثمار في الردع اليوم، فإن أي نقاش حول خطورة التهديدات القادمة سيكون بلا معنى.
في العام الماضي، أوصى المشرعون في مجلس الشيوخ من كلا الحزبين بتمرير تمويل يفوق طلب الميزانية الضئيل الذي قدمه الرئيس جو بايدن بحوالي 20 مليار دولار. لكن هذه التوصية لم تلقَ آذانا صاغية من الأغلبية «الديمقراطية» في مجلس الشيوخ. والآن، نحن نواجه احتمال تمرير قرار استمرار الإنفاق الذي سيخصّص ميزانية أقل بنحو 8 مليارات دولار من طلب بايدن.
لا يمكن لأي عضو في مجلس الشيوخ أو الكونجرس أن يدّعي الجهل بالطرق التي يؤثر بها التمويل غير المحَدّث على الأمن القومي. كما أنه لا يمكن إعفاء كبار المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاجون من مسؤوليتهم عن ضمان تمرير المخصصات الكاملة للجيش. لقد تولت هذه الإدارة مهامها مع تعهد باستعادة السلام من خلال القوة.
بالتأكيد، لا يوجد أميركي مهتم بالتهديدات الخارجية يعتقد أن خفض مليارات الدولارات من ميزانية الجيش هو الحل لمواجهتها.
إن تقييد قدراتنا الدفاعية ليس السبيل لإعادة إحياء روح المقاتلين. من المقلق أننا لا نسمع شيئاً من كبار القادة المدنيين في البنتاجون حول الحاجة إلى زيادة الميزانية الدفاعية، أو حول الضرر الوشيك الذي سيلحق بالجاهزية والقدرة القتالية إذا فشلنا في تمرير مخصّصات دفاعية جديدة للعام الكامل - لأول مرة في الذاكرة الحديثة.
 وحلفاء الولايات المتحدة، بمن فيهم الدول التي لديها أنظمة رفاهية اجتماعية أكثر شمولاً، يواصلون اتخاذ قرارات صعبة لتعزيز قدراتهم العسكرية. في الواقع، فإن معدل زيادة الإنفاق الدفاعي لحلفاء الناتو الأوروبيين يتجاوز معدل إنفاقنا بكثير. فمنذ عام 2022، التزموا بأكثر من 185 مليار دولار لشراء الأسلحة والأنظمة الدفاعية أميركية الصنع. إن تلبية هذا الطلب، مع تحديث القوات الأميركية في الوقت نفسه، يتطلب مخصّصات كاملة للسنة المالية. لا يمكننا إعادة بناء جيشنا دون استثمارات كبيرة في الدفاع.

ميتش ماكونيل*
 سيناتور «جمهوري» عن ولاية كنتاكي في مجلس الشيوخ الأميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»