تحتفي دولة الإمارات العربية المتحدة بشهر القراءة في مارس من كل عام، ويأتي هذا الاحتفاء تجسيداً حياً لرؤية القيادة الرشيدة في بناء مجتمع قارئ ومثقف وقادر على مواكبة تحديات العصر وصناعة المستقبل.

منذ إطلاق «عام القراءة» في 2016، شهدت دولة الإمارات نقلة نوعية في جهودها لترسيخ ثقافة القراءة، وقد أسفرت هذه الجهود عن نتائج ملموسة ومتواصلة لجهة غرس حب المعرفة في نفوس أفراد المجتمع.

وتتجلى جهود الدولة في تعزيز القراءة من خلال مبادرات عدة، أبرزها «تحدي القراءة العربي» الذي شهد في دورته الثامنة لعام 2024 مشاركة قياسية تمثلت بأكثر من 28 مليون طالب وطالبة من 50 دولة، بزيادة تبلغ 13.7% مقارنة بالدورة السابقة، وهذا التحدي لم يقتصر على تشجيع القراءة فحسب، بل أسهم في إحياء اللغة العربية وتعزيز الهوية الثقافية لدى الأجيال الناشئة.

وفي إطار سعيها لتوفير بيئة داعمة للقراءة، أطلقت دولة الإمارات في مايو 2016 الاستراتيجية الوطنية للقراءة، تلك الاستراتيجية الطموحة التي تمتد على مدار عقد كامل، وتضم في طياتها ثلاثين توجهاً وطنياً تشمل مختلف قطاعات المجتمع، حيث تسعى إلى إحداث تغيير جذري في سلوكيات القراءة، بدءاً من الأسرة، وصولاً إلى بيئة العمل، مروراً بالمؤسسات التعليمية والإعلامية.

وفي خطوة غير مسبوقة، أصدرت دولة الإمارات قانوناً خاصاً للقراءة، يضع أطراً تشريعية وبرامج تنفيذية تجعل من القراءة حقاً ثابتاً ومتاحاً للجميع، وهذا القانون يُلزم المدارس والجامعات بإثراء مكتباتها وتشجيع طلابها على القراءة، سعياً إلى ترسيخ قيمة الكتاب في نفوس النشء. ولم تُغفل دولة الإمارات أهمية قياس أثر هذه الجهود، فصممت وزارة الثقافة مؤشراً استراتيجياً لرصد واقع القراءة في المجتمع الإماراتي، وهذا المؤشر يمكّن الجهات المعنية من تطوير سياساتها وخططها بناءً على معطيات دقيقة، بما يضمن فاعلية الجهود المبذولة في تعزيز ثقافة القراءة. كما تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز دور الصالونات الأدبية وأندية القراءة، إيماناً منها بأهمية هذه المنابر في نشر الوعي الثقافي وتعميق حب القراءة في نفوس أفراد المجتمع.

ولم تقتصر هذه الجهود على الحدود الوطنية، بل امتدت لتشمل العالم العربي بأسره، فمبادرة «تحدي القراءة العربي» السالف الإشارة إليها، والتي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تمثل نموذجاً طموحاً لإعداد جيل من المبدعين العرب القادرين على استعادة الدور الحضاري للأمة العربية.

وفي إطار جهودها لتعزيز مكانة اللغة العربية، واصلت دولة الإمارات دعم «مشروع كلمة للترجمة» الذي نجح في ترجمة 1200 كتاب من شتى اللغات إلى العربية حتى عام 2024، وهذا المشروع يسهم في إثراء المحتوى العربي ويفتح آفاقاً جديدة أمام القراء العرب. وفي مجال التعليم، أدخلت الإمارات برنامج «القراءة الموجهة» في مناهجها الدراسية، ما أدى إلى تحسن ملحوظ في مهارات القراءة لدى الطلاب، فقد أظهرت نتائج الاختبارات الوطنية لعام 2024 ارتفاع نسبة الطلاب الذين يتمتعون بمهارات قراءة متقدمة إلى 85%، مقارنة بـ 75% في عام 2020.

إن جهود دولة الإمارات في تعزيز القراءة والمعرفة ليست مجرد مبادرات منفصلة، بل هي جزء من رؤية شاملة لبناء مجتمع المعرفة، فالقراءة هي البوابة الرئيسية للعلم والثقافة، وهي الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات.

ومع دخول شهر القراءة 2025، لا بد من التأكيد على جهود دولة الإمارات الدؤوبة ونموذجها المتميز في هذا المجال، فهي لم تكتف بتشجيع القراءة، بل جعلتها أسلوب حياة وثقافة مجتمعية، وبينما تواصل الدولة مسيرتها نحو المستقبل، تبقى القراءة سلاحها الأقوى في مواجهة تحديات العصر وبناء أجيال قادرة على صنع مستقبل مشرق.

إن شهر القراءة في دولة الإمارات ليس مجرد احتفال سنوي، بل هو تأكيد على التزام الإمارات بجعل المعرفة ركيزة أساسية في نموذجها التنموي، فمن خلال غرس حب القراءة في نفوس الأجيال الجديدة، تضمن دولة الإمارات استمرارية نهضتها الحضارية وريادتها العالمية.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.