عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025، وسط عالم يعاني من أزمات متشابكة، وتحولات كبرى في موازين القوى. لم يكُن وصوله إلى السلطة للمرة الثانية مجرد حدث سياسي عادي، بل شكّل صدمة لكثير من الحكومات والمؤسسات الدولية، التي عاشت سنوات على أمل أن تكون رئاسته الأولى مجرد استثناء لن يتكرر. لكن ترامب عاد، عاد بتوجهاته نفسها، بعقيدته السياسية القائمة على الصفقات والمواجهة، وبخطاب شعبوي لا يخلو من التحدي والغرور.
كان العالم قد تغيّر خلال غيابه عن المشهد السياسي الأميركي. الحرب بين روسيا وأوكرانيا دخلت عامها الثالث دون بوادر لنهايتها، والتوتر في شرق آسيا بلغ مستويات غير مسبوقة، بينما الاقتصاد العالمي يواجه اضطرابات عنيفة بسبب التضخم، وأزمات الطاقة وسلاسل التوريد المتعثرة. في الشرق الأوسط، لم تهدأ الصراعات، بل تعمقت الانقسامات، خاصة مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران، واستمرار التوترات في العراق وسوريا ولبنان. وسط كل هذه الفوضى، جاء ترامب ليعيد تشكيل السياسة الأميركية بطريقته الخاصة. لم ينتظر طويلاً قبل أن يعيد إحياء سياسته المتشدّدة تجاه إيران، مؤكداً أن سياسة الضغوط القصوى ستعود وبشكل أعنف هذه المرة. العقوبات الاقتصادية على طهران تضاعفت، والتلويح بالخيار العسكري عاد إلى الواجهة، مما زاد من احتمالات اندلاع مواجهة مباشرة في الخليج العربي أو في الساحة السورية. في المقابل، وجد ترامب نفسه أقرب من أي وقت مضى إلى إسرائيل، مؤكداً دعمه المطلق لها، ودافعاً باتجاه توسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية أخرى، رغم المعارضة الداخلية في بعض هذه الدول.
لكن الشرق الأوسط لم يكن الساحة الوحيدة، التي تحرك فيها ترامب منذ عودته. في أوروبا، أثار استياء الحلفاء التقليديين من خلال انتقاداته المتكررة لحلف الناتو، ومطالبته بزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، تحت تهديد تقليص الدعم الأميركي. هذا التوجه أثار قلق القادة الأوروبيين، الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد يتطلب منهم تعزيز استقلاليتهم الأمنية بعيداً عن المظلة الأميركية. في الوقت نفسه، لم يخفِ ترامب نواياه في مواجهة الصين بشكل أكثر صرامة، عبر فرض تعريفات جمركية جديدة وإعادة إشعال الحرب التجارية التي أضعفت الاقتصاد العالمي خلال ولايته الأولى. لكن أكثر ما أثار الجدل كان تصريحاته المفاجئة حول كندا وبنما وغزة. ففي خطوة غير مسبوقة، تحدث ترامب علناً عن إمكانية ضم كندا إلى الولايات المتحدة، معتبراً أن إزالة الحدود بين البلدين ستكون خطوة منطقية تعزّز الاقتصاد الأميركي. هذه التصريحات قوبلت بسخط واسع في كندا، حيث وصف المسؤولون الكنديون هذه الفكرة بأنها «غير واقعية وخطيرة». أما في أميركا اللاتينية، فقد صدم ترامب العالم بتصريحاته حول قناة بنما، حين أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت خطأ فادحاً عندما سلّمت السيطرة على القناة، ملمحاً إلى ضرورة استعادتها لحماية المصالح الأميركية. وفي الشرق الأوسط، كان أكثر تصريحاته إثارة للغضب هو ما قاله عن غزة، حيث طرح خطة غامضة تتضمن تهجير سكان القطاع إلى دول مجاورة وتحويله إلى منطقة استثمارية. هذا الاقتراح قوبل برفض قاطع من الفلسطينيين والدول العربية، واعتُبر محاولة لإنهاء القضية الفلسطينية بطريقة أحادية الجانب، بعيداً عن أي حلول عادلة.
في الداخل الأميركي، لم يكن الوضع أقل توتراً. فقد زادت الانقسامات السياسية بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» إلى مستويات غير مسبوقة، حيث استمرت الاحتجاجات في بعض الولايات، مع تصاعد المخاوف من أن تؤدي سياسات ترامب إلى مزيد من الاستقطاب الداخلي. على الصعيد الاقتصادي، بدأ بتنفيذ وعوده بفرض ضرائب أقل على الشركات الكبرى، مما أثار انتقادات واسعة حول تأثير ذلك على الفئات المتوسطة والفقيرة. عودة ترامب لم تكن مجرد ولاية ثانية، بل كانت بمثابة مشهد سياسي هزّ العالم، حيث لم يعُد النظام الدولي كما كان، ولم تعد أميركا نفسها كما كانت قبل سنوات. السؤال الذي يبقى مطروحاً: هل يستطيع ترامب تحقيق رؤيته لأميركا القوية؟، أم أن ولايته الثانية ستكون بداية لفوضى عالمية جديدة؟
*لواء ركن طيار متقاعد.