التزاماً بنهج القيادة الرشيدة لدولة الإمارات الإمارات العربية المتحدة الخاص بتعزيز الشراكات التنموية مع الدول والتكتلات الاقتصادية الواعدة، حظيت القارة الأفريقية بأولوية خاصة، وفق ما أكده معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية، خلال كلمته في منتدى «الاقتصادات الناشئة»، الذي عقد ضمن فعاليات اليوم الثاني للقمة العالمية للحكومات (11- 13 فبراير 2025).

ويبدو اهتمام دولة الإمارات بأفريقيا مفهوماً في ضوء مساحتها الكبيرة نسبياً (30 مليون كم مربع)، وموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية، إذ تشرف القارة على البحرين المتوسط، والأحمر، والمحيطين الأطلسي، والهندي، ومضيقي باب المندب وجبل طارق، ما يوفر فرصاً واعدة للاستثمار بقطاع الموانئ، ويمنح القارة دوراً مهماً في التجارة العالمية. كما تملك أفريقيا ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة عالمياً، وتزخر بثروة حيوانية كبيرة ومتنوعة، ما يمنحها دوراً حاسماً في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، وتزخر أيضاً بثروات معدنية نفيسة (الذهب، والماس، والبلاتين)، واستراتيجية (النفط، والغاز الطبيعي، واليورانيوم). وتشكل القارة الأفريقية أيضاً سوقاً واسعة (خمس سكان العالم). ويُتوقع وصول عدد سكانها إلى 2.5 مليار نسمة بحلول 2050 (60% منهم شباب)، ما يوفر الأيدي العاملة، ويخلق مجالات لإنفاق استهلاكي بقيمة 3 تريليونات دولار بحلول 2030، مرشحة للزيادة مع تطور منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

ويضاف إلى أسباب اهتمام دولة الإمارات بأفريقيا، أن القارة صارت المنطقة الأسرع نمواً بين بلدان العالم النامي بعد شرق وجنوب آسيا عام 2023. وحققت بعض دولها مراكز متقدمة بالنسبة لسهولة إدارة الأعمال واستقطاب الاستثمارات. ومنها رواندا التي بلغ معدل نموها الاقتصادي 9.2%، خلال الربع الأول من 2023، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، لتصبح واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً بالعالم. وفي ظل اهتمامها الخاص بأفريقيا، أضحت دولة الإمارات المستمر الخليجي الأول بالقارة، وواحدة من أهم شركائها العالميين في مجالي الاستثمار والتجارة.

وقد أعلنت دولة الإمارات في فبراير 2020 مبادرة «كونسورتيوم استراتيجي من أجل أفريقيا»، بهدف تعزيز رؤية جديدة لتنمية القارة بقيادة الشباب. ودشنت منصة للشراكة بين الطرفين في أكتوبر 2022 لدعم جسور التواصل. وأطلقت وزارة الاقتصاد منصة رقمية في أغسطس 2024 (بوابة أفريقيا للاستثمار الإماراتي).

وتعتزم دولة الإمارات ضخ 110 مليارات دولار للاستثمار في أفريقيا بقطاعات الطاقة المتجددة والموانئ واللوجستيات والتعدين والاتصالات والزراعة والصناعة والعقارات، ويشار في هذا السياق إلى أن شركة «مصدر» قد أعدت خططاً للاستثمار في إنتاج الكهرباء، بمقدار 10 جيجاوات في دول أفريقيا جنوب الصحراء، بقيمة 10 مليارات دولار. توازياً مع العلاقات الاقتصادية والتعاون التنموي، رسخت دولة الإمارات مساعداتها الإنسانية لعدد كبير من دول القارة، خاصة أثناء الكوارث الطبيعية، ومن هذه الدول على نحو خاص: السودان وجنوب السودان ودول القرن الأفريقي، ودول الساحل الأفريقي. كما تأتي دولة الإمارات في طليعة داعمي إعادة الإعمار بالصومال ورواندا، فضلاً عن دعمها برامج التدريب، والمنح الدراسية للطلاب الأفارقة بجامعات الدولة.

وتنخرط دولة الإمارات أيضاً في التصدي للآثار السلبية للتغيرات المناخية بأفريقيا، وخلال مؤتمر الأطراف «كوب28» أُطلقت «مبادرة الاستثمار الأخضر في أفريقيا»، وهي مبادرة تمويل بين دولة الإمارات وأفريقيا في مجال الطاقة النظيفة بقيمة 16.5 مليار درهم. وخلال قمة أفريقيا للمناخ بالعاصمة الكينية نيروبي (سبتمبر 2023) تعهدت الإمارات بتمويلات بقيمة 4.5 مليار دولار لتطوير الطاقة النظيفة بقدرة 15 جيجاوات بأفريقيا بحلول 2030. انعكاساً لتلك الشراكات، استطاعت دولة الإمارات أن تقيم علاقات دبلوماسية متميزة مع معظم دول أفريقيا، وأن تشارك كوسيط مقبول وفاعل في تسوية صراعاتها (مثل: النزاع الإثيوبي-الإريتري).

وأن تؤسس لتنسيقات سياسية مستمرة بين الطرفين، خاصة أن أفريقيا تمثل الكتلة التصويتية الثانية بعد الكتلة الآسيوية بالجمعية العامة للأمم المتحدة (54 دولة). ويمثلها ثلاث دول في مجلس الأمن الدولي بمقاعد غير دائمة.

وختاماً، فإن ما ينتظر أفريقيا من مستقبل واعد، يمثل حافزاً لدولة الإمارات لتعزيز شراكاتها مع دول القارة، بما يعود بالنفع المشترك على الطرفين، وفقاً لمبدأ «رابح-رابح». ولعل أحدث تلك الشراكات، اتفاقية الشراكة الإماراتية- الكينية، التي تم التوقيع عليها في 14 يناير الماضي.

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.