التجديد الملحوظ لشيكاغو، بعد كارثتها الأسطورية، يقدم تطميناتٍ ودروساً حول كيفية تعافي لوس أنجلوس. عندما اندلع الحريق الهائل في أكتوبر 1871 في شيكاغو، كانت المدينة، التي كانت قد ظلت مجرد موقع حدودي صغير حتى ثلاثينيات ذلك القرن، موطناً لنحو 330000 نسمة.

وقد دمر الحريق كامل منطقة الأعمال في وسط المدينة والجانب الشمالي منها أيضاً. وعلى الرغم من أن الجزء المدمر من شيكاغو كان أصغر بكثير من المنطقة التي أصابها حريق إيتون في لوس أنجلوس هذا الشهر، إلا أنه كان أكثر كثافة سكانية. فقد التهم الحريق حوالي 18000 مبنى، بما في ذلك مبنى البلدية وجميع المتاجر والمكاتب التجارية المهمة، والبنوك، ومكاتب المحاماة والصحف، والفنادق، ومباني المؤسسات الثقافية، بالإضافة إلى السجلات والمخزون النقدي والأثاث وغيرها من الممتلكات ذات القيمة.

وفقد نحو 90000 من سكان شيكاغو منازلهم، أما بالنسبة إلى لوس أنجلوس في عام 2025، فسيعادل هذا الرقم قرابة مليون شخص. ومع ذلك، لم تكن هذه نهاية العالم، ولا حتى نهاية شيكاغو. فقد كان حجم وسرعة إعادة البناء أكثر إبهاراً من التدمير. ففي غضون عامين، ظهرت منطقة وسط المدينة منطقةً جديدةً وأكبر حجماً. وبحلول عام 1880، وصل عدد السكان إلى نصف مليون.

وتضاعف هذا الرقم بعد عقد من الزمن، لتصبح شيكاغو في ذلك الوقت ثاني أكبر مدينة في الولايات المتحدة بعد نيويورك. لقد أُعيد بناء شيكاغو بسرعة للأسباب نفسها التي جعلتها تتحول إلى مدينة كبرى في المقام الأول: بحلول ثلاثينيات القرن 19، أصبح من الواضح أن الأمة المتوسعة تحتاج إلى مركز تجاري ونقل واتصالات في المكان الذي تقع فيه المدينة، على الحافة الجنوبية الغربية من البحيرات العظمى، بين المدن والأسواق والمصانع في الشرق والموارد الطبيعية في الغرب. لم يلحق الحريق أي ضرر بأهم أصول شيكاغو، وهو موقعها، ناهيك عن الطاقة والعزيمة لدى سكانها.

وظلت مكاناً رائعاً للمستثمرين والأفراد. الدروس المتناقضة التي استخلصها المتفائلون من الدمار كانت أن شيكاغو لا تتحطم. لكن الواقع لم يكن بهذه البساطة. ففي عجلتها لإعادة البناء، لم تكن شيكاغو تهتم بشكل كافٍ بأن الحرائق يمكن أن تندلع مرة أخرى. ففي يوليو 1874، دمر حريق آخر نحو 50 فداناً في جنوب وسط المدينة وكاد أن يقضي على كل التقدم المحرز. لماذا استمرت شيكاغو في مواجهة الكوارث؟

جزئياً بسبب مقاومة الولايات المتحدة للتنظيم، وتحديداً، الاعتقاد بأن ملاك العقارات يجب أن يكونوا أحراراً في التصرف بممتلكاتهم كما يحلو لهم، ورفضهم دفع ضرائب أعلى لتحسين الحماية من الحرائق. لقد تنبأ مفوضو الإطفاء في شيكاغو بكارثة عام 1871، لكن العمدة وأعضاء المجلس البلدي كانوا يعلمون أن رفع الضرائب لدعم قسم يعاني من نقص في المعدات والموظفين لن يكون أمراً مرغوباً، ولذا لم يضغطوا من أجل هذا الأمر. فقط عندما هددت شركات التأمين بحجب التغطية بعد الحريق الثاني، بدأت شيكاغو في اتخاذ إجراءات.

طالبت شركات التأمين بأن تُشَيد المباني الجديدة من مواد مقاومة للحريق مثل الطوب أو الحجر، وبتزويد المستودعات والمتاجر بستائر حديدية، وإعادة تنظيم إدارة الإطفاء في المدينة، ومد المزيد من أنابيب المياه الرئيسية والأكبر حجماً، وتركيب صنابير مياه إضافية وإزالة جميع مخازن الأخشاب من المناطق المبنية. اليوم، تعد لوس أنجلوس من نواحٍ عديدة في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه شيكاغو بعد عام 1871. عدد القتلى في حرائق مقاطعة لوس أنجلوس هذا الشهر، البالغ 28، أقل بكثير من قتلى حريق شيكاغو والمقدّرين بحوالي 300 قتيل. مراكز الأعمال والموارد الثقافية الوفيرة لم تتضرر إلى حد كبير. السجلات الورقية الحيوية التي أحرقت في حريق شيكاغو آمنة الآن، وبالإضافة إلى ذلك، يتم تخزينها رقمياً.

وتقدر التكلفة الإجمالية المذهلة للتعافي بمئات المليارات من الدولارات، وقد تعهدت إدارة بايدن في أيامها الأخيرة بتغطية نفقات الاستجابة الأولية لمدة ستة أشهر. ومن غير المؤكد ما إذا كانت إدارة ترامب ستعيد تأكيد التعهد أو ترسل مساعدات إضافية، لكن في عام 1871، عندما لم يكن هناك شيء مثل مساعدات الكوارث الحكومية. ورغم أنه قد يكون من الصعب في هذه اللحظة من الخسارة الفادحة أن نتذكر، فإن لوس أنجلوس تظل محظوظة بشكل خاص بموقعها الرائع كمكان للعمل والعيش، مع جميع المقومات التي مكنتها من تجاوز شيكاغو لتصبح ثاني أكبر مدينة في البلاد قبل 40 عاماً من الآن.

ومقارنةً بشيكاغو في عام 1871، تواجه لوس أنجلوس الآن عائقاً واضحاً. فنقص المساكن، الذي كان بالفعل أزمة قبل الحرائق، وصل الآن إلى مستوى طارئ. وسيكون استبدال المساكن المفقودة -ناهيك عن بناء المزيد- تحدياً أكبر مما كان عليه في شيكاغو المنكوبة، بدءاً بالمهمة الهائلة الأولى المتمثلة في إزالة الحطام. لقد قامت شيكاغو بنقل الكثير من الأنقاض التي كانت تمثل وسط المدينة إلى بحيرة ميتشيجان، مما شكل أساس حدائق جرانت وميلينيوم الحالية. لوس أنجلوس لا تملك خياراً مشابهاً، ونحن اليوم أكثر اهتماماً بضمان ألا تتسبب عملية التنظيف بعد الحرائق في أضرار بيئية جديدة. بعد كارثة الحرائق، تواجه لوس أنجلوس تحدياً كبيراً في إعادة بناء المساكن المفقودة ومعالجة أزمة الإسكان المتفاقمة.

وتتطلب جهود إزالة الحطام كثيراً من الحذر لتجنب الأضرار البيئية، مع الالتزام بمعايير السلامة لمواجهة مخاطر تغير المناخ وامتداد المساكن إلى مناطق خطرة. وتشير التجربة التاريخية لشيكاغو، بعد حريقها الكبير عام 1871، إلى أهمية الحلول المؤقتة لإيواء السكان وإعادة بناء الأحياء بالكامل، حيث ساعدت تلك الجهود على تجاوز الأزمة وتحفيز تجديد المدينة بفضل ضغط سوق التأمين.

تحتاج لوس أنجلوس إلى استلهام هذه التجربة لتطوير حلول شاملة تعزز استدامتَها وأمانَها على المدى الطويل، مع مواجهة تحديات مثل ارتفاع تكاليف التأمين ورفض التغطية.. ونجاحها في ذلك قد يجعلها مدينةً أقوى وأكثر أماناً بعد الكارثة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

كارل سميث*

* أستاذ التاريخ والدراسات الأميركية في جامعة نورث وسترن