برغم تراكم المشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية وتداعياتها السلبية على مصالح الولايات المتحدة الأميركية حول العالم أجمع، إلا أن ما يدور من أحداث على صعيد العالم العربي وجواره الجغرافي له أكبر الأثر على هذه المصالح.

ويعتقد المراقبون والمحللون والدارسون لشؤون العالم العربي ودور الولايات المتحدة فيه بأن الساسة الأميركيين من الحزبين «الجمهوري» والديمقراطي غالباً ما يضلون سبلهم السياسية الخاصة بالعالم العربي. ويعود جزء مهم من ذلك إلى الأوضاع الداخلية وتركيبة الكونجرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ، وفي هذه الأيام تتسلم إدارة جديدة مقاليد السلطة. هذه الإدارة الجديدة ونحن في عام 2025 ستجد نفسها وقد ورثت وضعاً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً معقداً، فالاقتصاد يعاني  ارتفاع معدلات التضخم  وتدني سعر العملة مقابل العملات العالمية الرئيسية. يرى مراقبون بأنه يمكن انتقاد ردود أفعال الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه مشاكل العالم العربي إلا أنه لا يمكن إغفال ضلوع الولايات المتحدة في شؤون المنطقة.

ومع استلام الإدارة «الجمهورية» الجديدة للسلطة السياسية في يناير 2025، ولأسباب تعود إلى تقلبات ديناميكيات السياسة الداخلية وطبيعة تركيبة الأغلبية البرلمانية في الكونجرس بمجلسيه، فإن الكثير من القرارات والمواقف التي ستتخذها الإدارة الجديدة ستتوقف على آراء ومواقف المجلسين وعلاقاتهم بالرئيس الجديد وفقاً لانتماءاتهم الحزبية والمصالح التي يسعون إلى تحقيقها وإلى حد ما على شخصية زعيم الأغلبية البرلمانية الحزبية وعلاقته بالرئيس. ووفقاً لمواقف الرئيس الناقدة لسياسات الإدارات «الديمقراطية» السابقة، فإن عامة الأميركيين يتوقعون الكثير من التغييرات، لكن ذلك صعب الحدوث فبعدما تسلم الرئيس الجديد السلطة سيكتشف صعوبة انتهاج سياسات مختلفة جذرياً عن سابقيه.

وبالعودة إلى تصريحات ووعود الرئيس الجديد حول العالم العربي يتضح بأنها تتكون من تمنع في الضلوع المباشر في المشاكل، ونمط من الرغبة في علاقات مع حلفاء يتحملون هم ذاتهم تكاليف تلك العلاقات، وابتعاد عن المطالبة بتغيير النظم الحاكمة، وعدم اكتراث بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وربما أن الإدارة الجديدة تعتقد أن هذه السياسات لها منافعها في إبقاء الولايات المتحدة متجنبة الضلوع في القضايا الشائكة للعالم العربي، وبالتالي تجنب احتمالات الخسائر في صفوف قواتها مع إبقاء التكاليف المالية في أدنى مستوى ممكن. لكن من وجهة نظر عدد من دول المنطقة هذه السياسات غير مجدية وتضر بمصالح الولايات المتحدة والعالم العربي، ويفقد دوله الثقة بالمواقف الأميركية، فمن دون وجود قيادة حازمة وحضور مكثف للقوة العظمى سيحدث إخلال بالأوضاع الجيوسياسية والجيواستراتيجية وبموازين القوى الإقليمية والعالمية في المنطقة. إن عدم حزم الولايات المتحدة تجاه قضايا العالم العربي وجواره الجغرافي تزيد من احتمالات استمرار تفاقم القضايا إلى أمد غير معروفة نهاياته، وستبقى متسببة في المزيد من المشاكل الجيوبوليتيكية والاقتصادية والإنسانية التي تتسبب فيها الصراعات القائمة.

لذلك فإن التطلع إلى نهاية للحرب في غزة وللصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ووضع نهاية لعدم الاستقرار في عدد من الدول العربية، وإنهاء الحروب الدائرة في عدد آخر، وإيجاد حل للملف النووي الإيراني والمشاكل الاقتصادية، هي مفاتيح نجاح سياسات الولايات المتحدة في العالم العربي وتحقيق مصالحها.

*كاتب إماراتي