يمثل الشباب الدعامة الأساسية لبناء الأوطان ونهضتها، فهم الطاقة المحركة لمسيرة التنمية والتقدم. ولا يمكن لأي دولة أن تحقق الاستقرار والازدهار إلا من خلال الاستثمار في طاقات شبابها، وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في مختلف القطاعات. فالشباب ليسوا فقط حاضر الأمة، بل هم مستقبلها وأملها في مواجهة التحديات وبناء المستقبل. ومع ذلك، تواجه المجتمعات العربية اليوم تحديات جسيمة تهدد طموحات الشباب واستقرارهم، أبرزها آفة المخدرات والانحرافات السلوكية، التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على قيمنا وعاداتنا وهويتنا الإسلامية والعربية.
تشير الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الصحية والاجتماعية إلى تزايد نسب تعاطي المخدرات بين الشباب العربي بشكل ملحوظ، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نسبة الشباب المدمنين في بعض الدول العربية تتجاوز 7% من الفئة العمرية بين 15 و24 عاماً، مما يتطلب استجابة عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة المدمرة. كذلك، فإن انتشار الأفكار الدخيلة التي تتعارض مع القيم الإسلامية، يعزز الحاجة إلى آليات وقائية تحمي الشباب من الانجراف نحو تيارات تهدد ثوابتهم الأخلاقية والاجتماعية.
تتحمل الحكومات العربية مسؤولية كبيرة في مواجهة هذه التحديات، من خلال وضع استراتيجيات وقائية وعلاجية متكاملة تشمل التعليم، التوعية، التشريعات، والبرامج الشبابية الفاعلة. إن إعادة النظر في المناهج التعليمية يعد أمراً حتمياً، فلطالما كانت مناهجنا في الماضي مصدراً لتعليم القيم الإسلامية والوطنية من خلال قصص الشخصيات العظيمة مثل «عبقرية عمر بن الخطاب»، و«عبقرية خالد بن الوليد»، وكتاب «وا إسلاماه»، التي غرست في نفوس الأجيال معاني الفخر والولاء والشهامة. من الضروري اليوم تطوير مناهج تعليمية حديثة تعزز الوعي الأخلاقي والوطني، وتزود الشباب بالمعرفة اللازمة لحمايتهم من التأثيرات السلبية والانحرافات.
إلى جانب التعليم، تلعب الأسرة والمجتمع دوراً محورياً في تربية الأبناء وتعزيز القيم الحميدة في نفوسهم. فالأسرة هي خط الدفاع الأول ضد هذه التحديات، ويجب على الآباء والأمهات تحمل مسؤولية توجيه الأبناء وتقوية علاقتهم بهم، من خلال عقد المجالس الأسرية التي كانت في الماضي مدارس للحكمة والتوجيه السليم. كما أن دور الأحياء والمجتمعات المحلية يجب أن يعزز التماسك الاجتماعي ويوفر بيئة آمنة للشباب، تتيح لهم فرص التفاعل الإيجابي والنمو السليم بعيداً عن المؤثرات السلبية.
إن النماذج الشبابية الناجحة في المناصب القيادية هي التي ينبغي الاحتفاء بها وتسليط الضوء عليها، فهم قدوة للأجيال القادمة، حيث أثبت هؤلاء الشباب قدرتهم على المساهمة الفعالة في مسيرة التنمية والازدهار بفضل اجتهادهم والتزامهم بالقيم الوطنية والتميز المهني. ومن هنا، يتعين على المؤسسات الحكومية والخاصة تبني هؤلاء الشباب ودعمهم، من خلال توفير فرص التدريب والتطوير لهم، وتهيئة بيئة تحفزهم على الابتكار وتحقيق الإنجازات.
على المؤسسات والشركات الوطنية دور مهم في رعاية المتفوقين من الشباب في مختلف المجالات، سواءً في التعليم أو الرياضة، من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، وتوفير الفرص التدريبية التي تساهم في بناء مستقبل واعد لهم. الاستثمار في الشباب المتفوقين هو استثمار في المستقبل، ومن خلال تقديم الرعاية والاحتضان للمواهب الشابة، تستطيع الدول بناء أجيال قادرة على تحقيق التنمية المستدامة، والمنافسة على المستوى العالمي.
على الصعيد التشريعي، يجب على الحكومات تطوير قوانين صارمة تحد من انتشار هذه الظواهر الخطيرة، مع التركيز على برامج إعادة التأهيل والدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين منها. فالتشريعات وحدها لا تكفي دون تضافر الجهود المجتمعية وتعاون المؤسسات الحكومية والخاصة لخلق بيئة سليمة وآمنة للشباب.
الرياضة والثقافة تلعبان أيضاً دوراً أساسياً في حماية الشباب من الانحراف، إذ يجب تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية التي تشغل أوقاتهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة. ولا بد من توفير مراكز شبابية حديثة مجهزة ببرامج تدريبية وتعليمية تساهم في بناء شخصياتهم، وتعزز مهاراتهم الحياتية والمهنية.
مواجهة هذه التحديات تتطلب استراتيجيات مبتكرة تستفيد من التطور التكنولوجي، حيث يمكن تطوير تطبيقات ذكية تقدم النصائح التوعوية والإرشادية للشباب، إلى جانب تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في متابعة السلوكيات الخطرة واكتشاف حالات الإدمان مبكراً لتقديم الدعم المناسب.
في الختام، فإن حماية الشباب من المخاطر التي تهددهم هي مسؤولية مشتركة بين الحكومات، الأسر، والمؤسسات المجتمعية. وعلى الجميع العمل المشترك لتعزيز الهوية الوطنية والقيم الإسلامية في نفوس الأجيال القادمة، وتقديم نماذج إيجابية للشباب يُحتذى بها، فالشباب هم الركيزة الأساسية لاستمرار مسيرة البناء والازدهار. إن تمكين الشباب وتأهيلهم ليكونوا قادة المستقبل هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل مزدهر وآمن للأوطان، فبهم تتحقق الأحلام، وتُبنى الحضارات.
*لواء ركن طيار متقاعد