في استشراف لمجتمعات الأعمال عند العام 2030، توقَّع تقريرٌ أصدره أخيراً المنتدى الاقتصادي العالمي أن تشهد دول العالَم تغيُّرات في أسواق العمل بحلول ذلك العام تبعاً للتقدُّم الكبير حينها في تكنولوجيات اليوم الناشئة، وهو تقدُّم سيفرض التغيير على المهارات المطلوبة لفئات الوظائف الموجودة حاليّاً، وسيؤدي إلى اختفاء العديد منها، لكنه سينشئ في المقابل وظائف لم تكن موجودة من قبل.
ومع أن التقدُّم التكنولوجي سيكون أهم محرك للتحوُّلات في أسواق العمل العالمية، فإن العوامل الديموغرافية، مثل شيخوخة السكان وهجرة العقول، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية، والمنافسة الاقتصادية، ستمثِّل محركات أخرى دافعة لهذه التحوُّلات، حيث ستؤدي جميعها إلى إعادة تشكيل مختلف الصناعات والمهن، مع خلق نحو 170 مليون وظيفة جديدة في مجالات جديدة، مثل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وحوكمة الأنظمة الذكية، والاختصاصات المرتبطة بالطاقة النظيفة والمتجددة، والتكنولوجيات المتقدمة، كالواقع المعزَّز، والميتافيرس وغيرها، وفي مقابل اختفاء نحو 92 مليون وظيفة تقليدية. أي أن العالم سيشهد رُغم التحوُّلات الجذرية في فئات الوظائف زيادةً صافيةً قدرها 78 مليون وظيفة بحلول عام 2030.
وفي حين ستلعب الثقافة التكنولوجية والمهارات التقنية دوراً كبيراً في وظائف المستقبل، فإن المهارات الناعمة، مثل التفكير الإبداعي والابتكار والمرونة والتأثير الاجتماعي ومهارات القيادة كالقدرة على اتخاذ القرار وتحمُّل المسؤولية، ستكون أيضاً بالغة الأهمية للتكيُّف بنجاحٍ مع احتياجات أسواق العمل التنافسية.
واستناداً إلى طبيعة الوظائف في عام 2030، فإن التحوُّل الذي ستأتي به التكنولوجيا لن يكون خالياً من التحديات، حيث ستكون فجوة المهارات الحاجز الأهم أمام الحكومات لحصاد الفوائد التي يمكن أن تأتي بها التكنولوجيا، تليها مقاومة الأفراد للتغيير، ومن ثم التنافس الكبير بين الدول في جذب المواهب العالمية. أما فيما يتعلق بمستقبل الوظائف في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن الأرقام التي أوردها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي تظهر تمتُّع الدولة بمرونة عالية واستعداد مبكر من اليوم لمواجهة التغيُّرات المتوقعة على الفئات الوظيفية وأسواق العمل عند العام 2030، اعتماداً على الجهود الكثيفة التي تبذلها الحكومة للاستثمار في تطوير المهارات الوطنية، التقنية والناعمة، إضافة إلى الزخم الكبير في المبادرات المتعلقة بالتكنولوجيات المتقدمة، وضمن مختلف المجالات الحيوية.
وفي ما يتعلق ببيئات الأعمال في عام 2030، فإن التقرير يتوقَّع أن تدفع تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والواقع الافتراضي والبيانات الضخمة والبلوك تشين وغيرها، التحوُّلَ في طبيعة الوظائف في دولة الإمارات. وإضافةً إلى ذلك، يتوقع أن تلعب الروبوتات دوراً رئيسياً في القطاعات الحيوية لدولة الإمارات، مثل الصحة والإنشاءات والخدمات اللوجستية، مع ظهور اتجاهات تكنولوجية مؤثرة، مثل الحوسبة الكمية، والتكنولوجيا الحيوية، والتي ستفرض التغيير أيضاً على وظائف الدولة ضمن المسارات الاقتصادية، والصناعات التحويلية، وأنظمة الطاقة، وغيرها.
وبالنظر إلى التوجُّهات التي تنتهجها حاليّاً دولة الإمارات في مجال تطوير الكفاءات والقدرات البشرية، فإن هذه الجهود ستكون ذات قيمة كبيرة عند العام 2030، حيث ستكون الإمارات، وبحسب التقرير، في مكانة متقدمة في الجاهزية لأي شكلٍ من أشكال الاضطرابات في أسواق العمل العالمية، مع تجاوز الإمارات أيضاً حينها المتوسط العالمي في نسبة نماذج الأعمال المؤتمتة والتي تتولاها التكنولوجيا بصورة كلية، لتقترب من نحو نصف أعباء العمل ذلك العام، في مقابل متوسط عالمي سيبلغ نحو 34% فقط.
إن ما قدَّمه التقرير من حقائق يؤكد قيمة الجهود المبذولة اليوم في الإمارات استعداداً لعالَم الغد، ويُظهر فاعلية التوجهات الحكومية في صناعة أسس المستقبل لدعم أبناء الوطن بما يسمَّى مهارات «التعلُّم مدى الحياة»، وليكونوا قادرين على التكيُّف بنجاح مع ما ستأتي به التكنولوجيا وغيرها من تغييرات على الوظائف والأعمال في عام 2030.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.