بخطوات لافتة للأنظار، تبرز الإمارات في مجال الفضاء، محققة يوماً بعد يوم منجزات تعبر عن رؤية وأهداف الدولة في التقدم في مجال الفضاء وعلومه، وتطوير خبرات وطنية قادرة على توطين الصناعات الفضائية، بما يزيد من فرص النمو الاقتصادي، ويفتح مجالاً غير مطروق على المستوى العربي، ويسهم في رفع القدرات الاقتصادية والعلمية.
ويتمثّل أحدث الإسهامات الإماراتية في مجال الفضاء في إطلاق القمر الصناعي «محمد بن زايد سات»، من قاعدة فاندنبرغ الجوية في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وهو القمر الأكثر تطوراً في مسيرة دولة الإمارات لاستكشاف الفضاء، الذي طوّرته أيادٍ إماراتية في مركز محمد بن راشد للفضاء. ويزن هذا القمر 750 كيلوغراماً وبأبعاد تصل إلى 3 × 5 أمتار، ولديه قدرات نوعية في تقنيات رصد الأرض عبر واحدة من أكثر الكاميرات دقة في العالم، كما يتميز بسرعة نقل بيانات دقيقة، وتوفير صور بدقة عالية، لدعم الأبحاث والتطبيقات العملية، ومراقبة البيئة وتطوير حلول للبنية التحتية ودعم عمليات الإغاثة في حالات الكوارث.
ويحمل القمر اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، صاحب الرؤية الحكيمة في الانفتاح على المستقبل والاستثمار في المعرفة والابتكار. والقمر هو نتاج تعاون فريق من المهندسين الإماراتيين مع شركات محلية وطنية، إذ أُنتجت 90% من الهياكل الميكانيكية للقمر داخل الدولة، إضافة إلى جزء كبير من المكونات الإلكترونية. ويُضاف هذا القمر إلى 4 أقمار اصطناعية أخرى جرى إطلاقها إلى الفضاء خلال الأسبوعين الأولين من عام 2025، وهي «الثريا 4» للاتصالات والبيانات الجيومكانية، و«العين سات – 1»، و«HCT-SAT 1» والمرحلة الثانية من كوكبة أقمار «فوورسايت».
وتمثّل هذه الخطوات في مجال الفضاء جزءاً من رؤية طموحة لقيادة دولة الإمارات التي تضع الابتكار والتطور التكنولوجي في صدارة أولوياتها، ولا تقتصر على صناعة وإطلاق الأقمار الصناعية فقط، بل يزخر البرنامج الوطني للفضاء بجوانب تتعلق بإعداد رواد فضاء إماراتيين، وخطة لمئة عام تهدف إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول 2117. وقد تحققت بالفعل بعض هذه الأهداف، مثل وصول «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ، تزامناً مع الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات، ونجاح مهمة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي (وزير الدولة لشؤون الشباب لاحقاً) إلى محطة الفضاء الدولية، في إنجاز جعل دولة الإمارات هي العاشرة عالمياً في مهمات السير في الفضاء خارج المحطة الدولية.
ولدى الدولة برامج عدة في مجالات العلوم الفضائية، منها البرنامج الوطني للأقمار الاصطناعية الرّادارية «سرب»، فيما تأسس «صندوق الفضاء الوطني» برأسمال 3 مليارات درهم، لتطوير المشروعات الاستراتيجية والبحثية في قطاع الفضاء. وعبر مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الإمارات للفضاء، تصنع الدولة أجزاء من الأقمار الاصطناعية وتطور الخبرات، وتعمل على توطين تكنولوجيا الفضاء، حيث لا تقتصر صناعة الفضاء على الاتصالات أو البث الإعلامي أو التصوير الجغرافي أو المسح البيئي، وإنما تسعى إلى أن تصبح صناعة تحفز النشاط الاقتصادي والتعليمي وتطور الصناعات المرتبطة بها.
وقد أطلق «مركز محمد بن راشد للفضاء» القمر الاصطناعي «خليفة سات»، كأول قمر اصطناعي إماراتي بالكامل، كما طور أيضاً أول قمرين اصطناعيين لرصد الأرض «دبي سات-1» و«دبي سات- 2»، والقمر النانومتري الأول «نايف-1»، والقمر الاصطناعي النانومتري «دي إم سات-1» الثاني من نوعه في دولة الإمارات، وهو أول قمر اصطناعي نانومتري بيئي لبلدية دبي. وليس هذا التقدم بمعزل عن الاقتصاد في ظلّ توقعات بأن تصل قيمة صناعات الفضاء عالمياً إلى نحو تريليون دولار بحلول 2040.
وتواصل الإمارات خطواتها الرائدة في مجال الفضاء من الاستكشاف وإطلاق الأقمار الاصطناعية، وبناء شراكات مع الدول ووكالات الفضاء في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وفرنسا وإيطاليا، وقد انضمت إلى «اتفاقيات أرتميس» التي تقودها وكالة «ناسا» لاستكشاف الفضاء وتطوير محطات فضائية دائمة على القمر، فضلاً عن التعاون مع الشركات الخاصة مثل «سبيس إكس» و«بوينغ»، كما تتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي، كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الفضائية، وذلك ما يسهم في تحسين جودة العمل وزيادة كفاءة المهام الفضائية، خصوصاً في تحليل الصور الفضائية لإدارة الأزمات والكوارث البيئية، وذلك ما يسهم في تحويل الطموح إلى واقع ملموس وقدرات وإمكانيات وطنية تتعاظم في تكنولوجيا الفضاء.
*باحثة - مديرة إدارة التدريب الدولي، مركز تريندز للبحوث والاستشارات.