يُعد المؤتمر العالمي لتحلية المياه 2024، الذي عقد في أبوظبي، خلال الفترة (9 - 12 ديسمبر 2024)، حدثاً عالمياً بارزاً، حيث استقطب نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجال المياه، وناقش أحدث الابتكارات والتقنيات التي تهدف إلى تحسين إدارة المياه، ومواجهة التحديات البيئية في العالم، وقد وفر المؤتمر فرصة مهمة لتبادل الخبرات، وتعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لإيجاد حلول مستدامة لتحديات المياه.
والحاصل أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي من الدول الرائدة في مجال تحلية المياه، وتحظى هذه القضية بأولوية كبيرة في أجندتها الوطنية، نظراً للظروف المناخية القاسية التي تشهدها المنطقة وقلة مصادر المياه العذبة، إذ تعاني دول الخليج شح المياه العذبة نتيجة لمحدودية سقوط الأمطار، ما يجعل الاعتماد على تحلية المياه أحد الحلول الأساسية لتلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه.
وتشهد الإمارات تطوراً كبيراً في تقنيات تحلية المياه، وتمتلك بعض أكبر محطات تحلية المياه في العالم، ومن أبرز هذه المحطات محطة الفجيرة لتحلية المياه التي تُعد من أكبر المحطات في المنطقة، وتستخدم تقنية التناضح العكسي لإزالة الأملاح والمعادن من المياه المالحة لتحويلها إلى مياه صالحة للاستخدام.
بالإضافة إلى ذلك، تتبنى الإمارات سياسات مبتكرة تهدف إلى إدارة الموارد المائية بشكل مستدام، حيث أطلقت العديد من المبادرات التي تركز على تحسين كفاءة استخدام المياه، مثل مشاريع إعادة تدوير المياه التي تهدف إلى معالجة المياه المستعملة، واستخدامها في الزراعة والصناعة، وبالتالي تقليل الضغط على مصادر المياه. وتسهم هذه المبادرات بشكل كبير في الحد من هدر المياه، وزيادة كفاءة استخدام الموارد المائية في الدولة. كما تعمل الإمارات على تحسين أساليب الزراعة، من خلال تقنيات حديثة مثل الزراعة المائية والزراعة الذكية، وتعتمد هذه التقنيات على استخدام أقل كمية من المياه، وهي ضرورية بشكل خاص في المناطق الصحراوية التي تعاني قلة المياه.
وفي هذا الإطار، تمثل مكافحة التصحر جزءاً أساسياً من استراتيجيات دولة الإمارات للحفاظ على البيئة وتحسين جودة الأراضي والحد من تدهورها، في ظل التحديات المرتبطة بالظروف المناخية القاسية مثل ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار. وقد أطلقت الإمارات مشاريع عدة لمكافحة التصحر، مثل مشروع الحد من التصحر، والذي يهدف إلى إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وزراعة النباتات والأشجار التي تتحمل الجفاف، وتساعد في حماية التربة من التآكل.
ومن بين المشاريع الأخرى التي تهدف إلى تحسين البيئة وزيادة الرقعة الخضراء في الإمارات، مشروع التشجير في المناطق الصحراوية، الذي يتضمن زراعة أنواع مختلفة من الأشجار التي تتكيف مع الظروف البيئية الصحراوية.
وفي إطار جهودها الإقليمية والدولية، تواصل الإمارات الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار في مجالات المياه والبيئة، حيث تركز على تطوير حلول مبتكرة لتحسين إدارة المياه ومجابهة التحديات البيئية، سواء من خلال تعزيز تقنيات تحلية المياه، أو تحسين طرق ري الزراعة، أو محاربة التصحر.
وتُعد «مبادرة الشيخ محمد بن زايد للماء»، و«جائزة محمد بن راشد العالمية للمياه» من المبادرات المهمة التي أطلقتها دولة الإمارات، لتعزيز دورها الريادي في مجال المياه على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث تهدف مبادرة الشيخ محمد بن زايد للماء إلى توفير مياه الشرب النظيفة للمجتمعات المحتاجة في مختلف أنحاء العالم، خاصة في المناطق التي تعاني ندرة المياه. وتستند هذه المبادرة إلى مبدأ التعاون الإنساني، وتسعى لتقديم حلول مبتكرة لمواجهة أزمة المياه، بما في ذلك توفير تقنيات تحلية المياه والتقنيات الحديثة التي تساهم في تحسين إدارة الموارد المائية. أما جائزة محمد بن راشد العالمية للمياه، فقد تم تأسيسها لتكريم الأفراد والمؤسسات التي قدمت حلولاً مبتكرة في مجال المياه، وتعد الجائزة منصة دولية للاحتفاء بالأبحاث والابتكارات التي تسهم في تحسين استخدام المياه وحل مشكلاتها، خصوصاً في المناطق التي تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال.
وتأتي هذه المبادرات تجسيداً لرؤية القيادة الإماراتية في أهمية تحقيق التنمية المستدامة، وحماية الموارد الطبيعية، وتأكيداً لالتزام الإمارات بتحقيق استدامة الأمن المائي العالمي، وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة أزمات المياه.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية