أكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، الأحد الماضي، أن آخر 24 ساعة أظهرت أن المنطقة ما تزال تمر بأوقات عصيبة ومتوترة، مشدداً على «ضرورة التعاون بين الدول العربية» وعلى أهمية «إحياء الحوار». تصريحات الدكتور أنور قرقاش جاءت خلال «حوار المنامة».
كانت الأحداث في سوريا سريعة، وكان دخول «هيئة تحرير الشام» إلى العاصمة دمشق مفاجئاً للكثيرين، وقد ترافق مع السقوط السريع لنظام بشار الأسد، دون مقاومة تُذكر، مما سّهل حدوث هذا التحول دون سفك دماء. وباستيلاء «هيئة تحرير الشام» على العاصمة أصبح وجودها أمراً واقعاً، وهي ممثلة بشخص زعيمها أحمد الشرع، وهو نفسه الجولاني الذي سبق أن كان زعيماً لـ «جبهة النصرة».
ولو افترضنا أنه «قاعدي» مستتر، كما يرميه خصومه، فإنَّ مستقبل مشروعه السياسي لن ينجح في ظل التحولات الجارية وما تفرضه من صيغ سياسية مرنة، وذلك بالنظر إلى توجهاتها «الإسلاموية» لن تكون مقبولة، لا محلياً ولا دولياً، ولا حتى لدى تركيا، الداعم الرئيسي لجماعات المعارضة السورية.
وبالنظر إلى السنوات الماضية، فقد طرأت تغيراتٌ على سلوك هذه الجماعة، وعلى خطاب قائدها أحمد الشرع نفسه، كما اتضح من تصريحاته الأخيرة لقناة «سي إن إن»، وإن كانت السياسة لا تتعامل مع الأقوال ولا النوايا، بل مع ما يفعله أهلها واقعياً.
وبحكم الواقع، فإن «هيئة تحرير الشام» استولت على العاصمة دمشق، والعالم سوف يتعامل معها. التوازنات الإقليمية ستتبدل، كونها تترافق مع نتائج حربيْ غزة ولبنان. وبفقدان إيران لسوريا المهمة استراتيجياً بالنسبة لها، سوف يتغير ميزان القوى الإقليمي.
وعلى المستوى الأممي، عقد مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، وبصورة طارئة، جلسةَ مباحثات مغلقة حول سوريا، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية. وقالت المصادر إن الاجتماع عقد بطلب من روسيا. ومن جهته، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا «غير بيدرسون» إن الوقت مناسب لإطلاق عملية انتقالية سلسة وناجحة في سوريا. وطالب المبعوثُ الأممي الخاص جميعَ الأطراف المسلحة في سوريا بالحفاظ على القانون والنظام وحماية المؤسسات العامة. ودعا إلى محادثات عاجلة في جنيف لتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18 ديسمبر 2015، والذي ينص على عدة بنود تهدف إلى وقف الأعمال العدائية في سوريا، وإطلاق عملية سياسية شاملة، وذلك تحت إشراف الأمم المتحدة.
وجدير بالذكر هنا أن الدعوات العربية والدولية تصاعدت مطالِبةً جميعَ الأطراف في سوريا بصون مقدّرات الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية وتغليب المصلحة العليا للبلاد، وببدء عملية سياسية تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلي، وباستعادة وضع سوريا الإقليمي والدولي.
وقد شهدنا كيف كانت سوريا تعاني من الفوضى، ومن انتشار الفصائل والميليشيات المسلحة الإرهابية بأنواعها، وذلك لغياب الحلول السياسية وبسبب تدخلات دول مجاورة، ما جعل سوريا غير آمنة، وهو الأمر الذي نتج عنه نزوح السوريين وهجرتهم بالملايين خوفاً من القتل وأعمال الاقتتال. والعل هذا التحول، متمثلاً في سقوط نظام بشار الأسد يمثل الآن فرصةً سانحة كي تتخلص الدولة السورية من الفصائل الشاردة التي استغلّت الأوضاع غير الصحية وحالة الفوضى.
لا ينبغي التقليل من صعوبة العودة للحياة الطبيعية في سوريا، فالأمر يحتاج إلى الصبر والتحمل والأناة والحكمة من جميع الأطراف، خاصة مع تأثر النفوس التي انكسرت والقلوب التي تألمت للمفقودين والشهداء. لكن، وقد عادت سوريا إلى حاضنتها العربية، فسيكون علاجها سهلاً ومقدوراً عليه، وهي عودة كفيلة بترميم التصدعات وصيانتها مادياً ونفسياً.

*سفير سابق