يظل الصراع حول القضية الفلسطينية واحداً من أطول الصراعات المعاصرة وأكثرها تعقداً. وبينما تتحرك القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للبحث عن حلول أو صفقات تنهي هذا الصراع المزمن، تبرز إشكالية كبيرة: أين صوت الفلسطينيين في هذه الحلول والصفقات؟
الإدارة الأميركية، بقيادة دونالد ترمب في ولايته السابقة، قدمت رؤيةً لحل النزاع تحت مسمى «صفقة القرن». هذه الرؤية ركزت على المصالح الإسرائيلية والإقليمية، مع تجاهل واضح للحقوق الفلسطينية الأساسية. وومع عودة ترمب إلى البيت الأبيض في ولاية رئاسية جديدة، تتجدد التساؤلات حول طبيعة النهج الأمريكي في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مسألة تقرير المصير ليست مجرد شعار أو مطلب سياسي عابر، بل حق أساسي نصّت عليه المواثيق الدولية، مثل ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما أنها حق اعترفت به الولايات المتحدة نفسُها في أكثر من مرحلة تاريخية.
ومن المهم أن نتذكر دور الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور، الذي أكد في خضم أزمة السويس عام 1956 على أهمية احترام سيادة الدول وحقوق الشعوب، حتى عندما كان ذلك يتعارض مع مواقف حلفاء تقليديين مهمين لواشنطن. استدعاء هذا الموقف اليوم يطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت السياسة الأميركية قادرة على العودة إلى الالتزام بالمبادئ بدلاً من المصالح الآنية.
والحديث عن تقرير المصير لا يمكن أن يكون أحادي الجانب، بل يجب أن يكون الفلسطينيون هم أصحاب القرار الأول في أي اتفاق أو تسوية، وتلك الحلول المفروضة من الخارج، مهما بدت مغرية أو واقعية، لن تنجح ما لم تتماشى مع إرادة الشعب الفلسطيني ومطالبه، وأبرزها إقامة دولة مستقلة تمثل طموح الفلسطينيين، وحقهم في تحديد مصيرهم.
كما لا يمكن الحديث عن القضية الفلسطينية بمعزل عن الدول المحيطة، خصوصاً الأردن الذي له علاقة تاريخية واجتماعية وثيقة بالضفة الغربية. والأردن بالنسبة لفلسطين ليس مجرد جار جغرافي، بل هو طرف أساسي في المعادلة. واتفاقية وادي عربة عام 1994 أكدت دور الأردن في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو دور يستمد شرعيته من الوصاية الهاشمية، لكن الدور الأردني يتجاوز البعد الديني ليشمل البعد السياسي والإنساني، فالأردن يستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وتربطه بالضفة الغربية روابط عائلية واجتماعية عميقة. لذا فإن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأردنية، وأن يضمن استقرار المملكة التي تعد صمام أمان للمنطقة.
وفي ظل التحركات الدولية والإقليمية، يجب أن تُطرح الأسئلة التالية: كيف يمكن ضمان إشراك الفلسطينيين طرفاً أساسياً في أي مفاوضات مستقبلية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية، خصوصاً الأردن ومصر، لضمان حماية الحقوق الفلسطينية؟ وهل يمكن أن تتبنى الإدارة الأميركية المقبلة نهجاً أكثر عدالة وموضوعية تجاه القضية الفلسطينية؟
القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع بين شعبين، بل قضية حقوقية وإنسانية، والحلول المؤقتة لن تحقق السلام المنشود، والفلسطينيون بحاجة إلى أن يكونوا شركاء حقيقيين في صياغة مستقبلهم، بدعم من الدول الإقليمية والمجتمع الدولي.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا