قبل قرن من الزمان، وبينما كانت القوى الأوروبية الغربية تخطط لتقسيم الشرق العربي، قامت الولايات المتحدة، التي تؤمن بحق تقرير المصير للشعوب التي تحررت مؤخراً من الاستعمار، بإرسال لجنة من الأميركيين البارزين لاستطلاع الرأي العام العربي. وخلصت اللجنة إلى أن الغالبية العظمى من العرب يرفضون تقسيم منطقتهم، ويرفضون الانتداب الأوروبي عليهم، ويرفضون إقامة دولة يهودية في فلسطين. وكان ما يأملون فيه هو دولة عربية موحدة.
حذرت اللجنة في تقريرها من نشوب صراع إذا تم المضي قدماً في خطط التقسيم، إلا أن اللورد بلفور البريطاني رفض مواقف السكان العرب الأصليين، وتم تقسيم الشرق العربي، وتم إنشاء انتداب على فلسطين، والذي استخدمته بريطانيا لتعزيز الهجرة اليهودية ما أدى إلى تأسيس دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تعرض الفلسطينيون للطرد والتهجير والعنف المستمر. وقد تحققت تحذيرات اللجنة الأميركية المروعة بمرور قرن من الصراع المستمر الذي بلغ ذروته في الإبادة الجماعية الجارية في غزة والقمع الساحق في الضفة الغربية.
وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، فقد الفلسطينيون المزيد من السيطرة على حياتهم. ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو، اتخذت إسرائيل خطوات لجعل إقامة دولة فلسطينية موحدة في الأراضي التي احتلتها في عام 1967 أمراً مستحيلاً. فقد فصل الإسرائيليون «القدس الشرقية» عن بقية الضفة الغربية، مما أدى إلى تشويه اقتصادها وإجبار سكانها على الاعتماد على إسرائيل في التوظيف والخدمات. وفي الضفة الغربية، وسّع الإسرائيليون المستوطنات واستخدموا الطرق والبنية الأساسية ونقاط التفتيش والمناطق الأمنية «الخاصة باليهود فقط» لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق صغيرة خاضعة للسيطرة. أما غزة فقد تم تجريدها من التنمية وتعرضت لخنق اقتصادي وتم فصلها عن باقي فلسطين. لقد تحطّم الحلم بعد أوسلو.
ورغم ذلك، فإن العالم الغربي لا يكترث كثيراً لاحتياجات وتطلعات الفلسطينيين. وبدلاً من ذلك، يتم طرح خطط بقيادة الولايات المتحدة بشأن مستقبلهم دون موافقة المحكومين، وتقترح هذه الخطط أن تدار غزة بواسطة سلطة فلسطينية «مُصلَحة»، مع توفير الأمن من قبل قوة عربية- إسلامية، والتزام بـ«التفاوض» حول حل الدولتين مستقبلاً.
وعلى الرغم من أن هذه الخطط مصممة لتلبية احتياجات إسرائيل، فإن الإسرائيليين أنفسهم رفضوا هذه الشروط. فهم يرفضون مغادرة غزة أو السماح للفلسطينيين بالعودة إلى المناطق التي تم «تطهيرهم» منها. وهم يرفضون القوى الخارجية التي توفر الأمن، ويرفضون مناقشة الدولة الفلسطينية التي تربط بين المناطق الفلسطينية المقسمة إذا كان ذلك يتضمن التنازل عن الأراضي، أو إخلاء المستوطنين، أو التنازل عن السيطرة الأمنية، أو توسيع دور السلطة الفلسطينية.
والأمر الأكثر أهمية هو أن خطط «اليوم التالي» تتجاهل وجهات النظر الفلسطينية.
بدلاً من إعطاء الأولوية لإسرائيل (أو الولايات المتحدة) وفرض الخطط على الفلسطينيين لتلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، هناك حاجة إلى نهج يتحدى السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى تهجير الفلسطينيين وغضبهم، وتشويه التنمية السياسية والاقتصادية الفلسطينية، وجعل بناء المؤسسات الفلسطينية أمرا مستحيلاً.
أولاً، يتعين علينا أن نطالب بوقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال القاسي. ولا بد أن نستمع إلى وجهات نظر الفلسطينيين. ولا بد أن يقع العبء على إسرائيل وسياساتها التي خلقت هذه الفوضى، وليس على الضحايا.
إن الرأي العام الأميركي يتغير بشكل مشجع، حيث أصبح الأميركيون أكثر دعماً للفلسطينيين وأكثر معارضة للسياسات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الفلسطينيين. لكن هنا يتعثر الحوار، في غياب رؤية فلسطينية واضحة للمستقبل وغياب قيادة قادرة على التعبير عن هذه الرؤية.
وعلى هذه الخلفية، كلفت مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين مؤسسة زغبي للأبحاث بقياس تأثير السياسات الإسرائيلية في غزة والتهديدات التي تواجه الفلسطينيين في الضفة الغربية، وطلبت من الفلسطينيين تحديد أفضل مسار للمضي قدماً لتحقيق حقوقهم والسلام.
يكشف الاستطلاع أنه على الرغم من الظروف المختلفة التي فرضها الإسرائيليون على الفلسطينيين في المناطق الثلاث الخاضعة لسيطرتهم، فإن الخيوط المشتركة المتمثلة في الهوية والرغبة في الحرية والوحدة لا تزال قائمة. يريد الفلسطينيون رفع «ركبة» الاحتلال الإسرائيلي عن ظهورهم حتى يتمكنوا أخيراً من التمتع بالحرية والاستقلال في أرضهم، بعد أن فقدوا الثقة، بدرجات متفاوتة، في السلطة الفلسطينية وحماس، فإنهم يفضلون:
- إجراء استفتاء شعبي لانتخاب قيادة جديدة لتعزيز رؤية لفلسطين. 
- توحيد الصف الفلسطيني لإنشاء حكومة فعالة يمكن أن تحظى بالاحترام والاعتراف. 
- محاسبة إسرائيل في الهيئات الدولية.
بطبيعة الحال، يجب تطوير هذا المسار بشكل أكبر. لكنه يعترف بأنه بدلاً من فرض «الحلول» على الفلسطينيين، يجب علينا أن نسألهم عما يريدونه، ونستمع إليهم، ثم نعمل على تحويل تطلعاتهم إلى حقيقة.
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن