سيظل الخامس من نوفمبر 2024، يوماً عالقاً في الذهنية الأميركية السياسية طويلاً، لاسيما بالنسبة للحزب الديمقراطي الذي شهد انتكاستَه الثانية خلال هذا العقد، وبالمقابل سيتذكر الحزب الجمهوري كثيراً ذلك الرئيس الذي مثّل الحزب بقوة نفوذه التي فاقتْ الحزبَ وتأثيره على اتباعه وداعميه، وأثبت أن السياسة والمناصب السياسية لا علاقة لها بالتحيزات الجنسية، والذي فاز بالمنصب الرئاسي مرتين، وعن استحقاق، مقابل مرشحتين عن الحزب الديمقراطي.

بداية دونالد ترامب، الرئيس السابق والفائز بانتخابات الثلاثاء الماضي، كانت في عام 2016، حين خاض الانتخابات الرئاسية ضد المرشحة «الديمقراطية» هيلاري كلينتون، التي تألقت لسنوات كسيدة أولى للبيت الأبيض، ثم كوزيرة للخارجية، حيث خاضت هيلاري تلك الانتخابات مدعومةً بموقعها المتقدم في الحزب الديمقراطي، وبنفوذها المدعوم من قيادات الحزب ونخبه كافة، إلا أن نتائج الانتخابات مثّلت صدمةً كبيرة للديمقراطيين بعد أن اكتسحها ترامب إثر تخلي المرأة الأميركية عن دعمها لهيلاري مفضلةً المرشحَ الجمهوري الذي أبدى قوةً وصلابة في مواجهتها.

وقد شمل برنامجه الانتخابي أبرز القضايا التي تشغل اهتمام الناخب الأميركي وتؤثر على حياته وترسم مستقبله الاقتصادي، بعد سنوات من سيطرة «الديمقراطيين» عانى خلالها العالَمُ مشكلاتٍ وأزمات كثيرةً وكبيرةً، وكان نصيب العالم العربي منها هو الأكبر جراء مشاريع الفوضى الخلاقة والحراك الفوضوي التخريبي تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وخلال انتخابات الأسبوع الماضي التي انتهت بتحقيق ترامب فوزاً كبيراً على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، واكتساحه لها في غالبية الولايات المتأرجحة، بعد أن اتجه الناخبون إلى معاقبة الحزب الديمقراطي الحاكم الذي كانت كامالا نائبةً للرئيس خلال إدارته، وكممثلة للحزب بعد إخفاقها في معالجة العديد من الملفات التي شغلت اهتمامَ الناخبين الأميركيين وأثرت على معيشتهم وظروف حياتهم الاقتصادية، إضافة إلى عجز الإدارة عن وقف حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والسعي غير المسؤول لتوسيع نطاق الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفقدانها القدرة على إدارة أزمات العالَم السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.. وليضع الناخبون حداً لواحدة من أكثر الإدارات الأميركية ضعفاً، كما يصفها المنافسون الجمهوريون.

وعلى خلاف استطلاعات الرأي، ورغم التفاف الحزب الديمقراطي، بنخبه وقواعده الانتخابية حول هاريس، وما تعرض له المرشح المنافس من قضايا ومزاعم دعاوى وأحكام قضائية مترتبة عليها، فقد حسم ترامب المعركةَ بفوز كبير وحاسم، وخسارة مدوية لهاريس، وهو ما مثّل مفاجأةً للمجتمع الدولي الذي تابع هذه الانتخابات بشكل خاص لكونها أشارت إلى تقارب شديد بين المرشحَين في نتائج استطلاعات الرأي، وأيضاً لأهميتها في حسم الجدل الدائر حول سياسات ومواقف الإدارة الأميركية حيال العديد من الملفات والأزمات الدولية المتفاقمة، ولما يراه البعض من ضرورة إنهاء الدور السلبي للسياسة الأميركية في التعاطي مع الأزمات العالمية.

وبقدر صدمة «الديمقراطيين» الكبيرة بالخسارة، كانت الاستجابة لفوز ترامب على جميع الأصعدة، حيث حظي بأوسع مستوى من التواصل الدولي لتهنئته بالفوز، كما استجابت الأسواق العالمية لهذه النتيجة، إيجابياً وبشكل مباشر، فيما ارتفع مستوى الحديث وجديته عن وضع معالجات ناجعة للمشكلات والأزمات التي يعيشها العالم، وتعصف بأمنه واستقراره ونموه، وتؤثر على حاضره ومستقبله.

*كاتبة إماراتية