مع إنجاز المراجعة الرابعة لبرنامج اتفاق صندوق النقد الدولي «الممدود»، في القاهرة، سيتم صرف شريحة جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار من إجمالي القرض البالغ 8 مليارات دولار. وبما أنه سبق لمصر أن حصلت على 1.98 مليار دولار، على ثلاث دفعات، يكون المجموع 3.28 مليار دولار.

وبذلك تكون مصر قد وصلت إلى منتصف الطريق في تنفيذ برنامج الاتفاق الذي يشمل 8 مراجعات تنتهي في سبتمبر 2026. وسبق أعمال المراجعة، أن طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله مديرة الصندوق كريستالينا غورغيفيا مع الوفد المرافق لها، تعديلَ شروط برنامج القرض، مشيراً إلى «ضرورة مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التي تتعرض لها مصر بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، والتي كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية، وإيرادات الموازنة»، ضارباً المثل بتأثر إيرادات قناة السويس بنحو 60 في المئة، نتيجة التوترات الأمنية في البحر الأحمر، ومشدداً على أن «أولوية الدولة المصرية هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين المصريين، لاسيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع استمرار جهود جذب الاستثمارات».

ومن جانبها أعربت غورغيفيا عن تقديرها البالغ لجهود مصر وللبرنامج الإصلاحي الذي يتم تنفيذه بعناية مع وضع الفئات الأكثر احتياجاً في مقدمة الأولويات، ومشيدةً بالإجراءات المتخذة لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وهي تتوقع أن يبلغ النمو 4.2 في المئة خلال العام المالي 2024-2025، مقارنة مع 2.4 في المئة خلال العام الماضي، وأن ينخفض التضخم من 26 في المئة إلى 16 في المئة. وأكدت تفهُّمَها الكاملَ لحجم التحديات الكبيرة وتداعياتها، ومنوهةً بسعي الصندوق، بالشراكة مع الحكومة المصرية، إلى «أفضل مسارات الإصلاح». وبما أن أعمال المراجعة الرابعة، شملت عدة إجراءات إصلاحية لضبط الوضع المالي، فقد أشادت غورغيفيا بنجاح مصر في تحركها المستمر لتحقيق نظام مرن لسعر الصرف.

وبدوره أكد رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، التزام الدولة المصرية باستمرار تطبيق هذا النظام، بالتنسيق مع البنك المركزي، للحفاظ على المكتسبات التي تحققت، إذ أن عدم الالتزام يعيد مصرَ إلى المربع صفر.

وفي إطار التعاون المشترك مع صندوق النقد، منذ عام 2016، اضطرت مصر إلى تعويم سعر الصرف خمس مرات، وخسر الجنيه 84 في المئة من قيمته، نتيجة ارتفاع سعر الدولار من 7.8 جنيه، قبل أول تعويم في نوفمبر 2016، إلى نحو 49 جنيهاً في الوقت الحالي، أي بعد التعويم الخامس والأخير في مارس الماضي، حينما قرر البنك المركزي في اجتماع استثنائي زيادة أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، وسمح لسعر الصرف أن يتحدد وفق آليات السوق. وحسم الدكتور مدبولي الجدلَ القائم في السوق المالي، نافياً توجّهَ الحكومة لتطبيق تعويم سادس لسعر الصرف. وتعد مصر ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد، بعد الأرجنتين، وقد بلغ مجموع القروض التي حصلت عليها منذ عام 2016 نحو 28 مليار دولار.

ولوحظ في هذا السياق أن تداعيات تدهور قيمة الجنيه قد ساهمت في تراكم العجز المالي، مما دفع إلى الاقتراض من الخارج، ولذا قفز إجمالي الدين العام الخارجي لمصر من 55.76 مليار دولار، نهاية عام 2016، إلى أكثر من 168 مليار دولار نهاية عام 2023، أي بزيادة 112.24 مليار دولار، وبمتوسط زيادة سنوية نسبتها 25 في المئة. لكن الوضع المالي بدأ يتطور مع تحسّن السيولة الدولارية وتدفق الاستثمارات الخليجية، لاسيما الاستثمار الإماراتي بقيمة 35 مليار دولار في مشروع «رأس الحكمة»، مما ساهم في تراجع الدَّين الخارجي إلى 152.88 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، أي بنقص قيمته 15.12 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية