الإنسان في كينونته حكمة، قبل أن يكون شيئاً آخر أمام المخلوقات كافة، فما من شك في الحكمة السائرة التي تقول: «إن الإنسان إنسان حيث كان»، فالمكان لا يقيده فهو الكائن الذي يضيف إلى المكان رونقه ومعانيه الرفيعة.
ومن هذا المنظور أضاف الحكماء إلى الإنسان قولهم بأن: الجواهر في الناس لا في الحجر. والنور في القلب لا في العينين، والعز في القناعه لا في المال. والفخر في الأدب لا في النسب. من يملك الأخلاق والأدب يسكن في القلوب إلى الأبد ! والصبر في البؤس لا في النعم.
ولا يمكن أن تعيش في زمن ولا تبتلى بآفاته، فالعصر كالنهر، لابد لك من أن تخوض فيه، ولا بد للوباء أن يصيبك ما دام انتشر إلى ذلك الحد، لكن القيم تفرض عليك التخلص من هذا الوباء لتعود إنساناً بسرعة كي لا تتحول نفسك إلى وباء.
ويشدو الإمام الشافعي، رحمه الله، في هذه الحالة سيمفونية الإنسان، ويحدد النوتات المتعلقة به، فيقول:
الناس للناس ما دام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
الصراحة والصدق والثقة
طريق لا يمر به إلا قليل من البشر
ليس عليك إسعاد كل الناس
ولكن عليك ألا تؤذي أحداً
ولا تحتقر أحداً، ولا أي شيء من خلق الله، قال الإمام الغزالي، رحمه الله: «عجباً لمن يهتم بوجهه الذي هو محل نظر الخلق، ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق سبحانه. فالأشياء التي يحبها الإنسان في هذه الحياة تؤثر في شخصيته، فحبُ الورد يورث الإحساس المرهف، وحب تأمل الغيوم يولد الخيال الواسع، وحب الأطفال يولد الروح المرحة، وحب كبار السن يولد الحكمة والنضوج. وحب القراءة يولد الوعي الرشيد، واتساع المدارك وعمق التفكير. وحب الشروق يولد الأمل، وحب الخير يولد الإنسانية.
ليس المهم أن نوسع آفاقنا فحسب، بل إن الأمر الأهم أيضاً في عصرنا هذا أن نبحث عن صديق الغد في عدو الأمس، وأن ننطلق من قيود المعتقدات الدينية السابقة لنطل من وراء العقائد، ومن خلال التسامح والإنسانية السامية على البشر أجمعين.
فالعلاقات الإنسانية بين البشر أو الناس أو بني آدم، سمهم ما شئت، يتخللها الكثير من عناصر الاحتواء والعطاء من أجل الشعور بالأمان، والتبادل خيط رفيع بين كل ذلك.
كيف تختبر إنسانيتك؟! هناك مقاييس كثيرة منها، إذا كان الفرح والسرور والحبور في قلوب الآخرين تسعدك، فأنت إنسان.
ما الذي يقلب هذه المعادلة، عندما يتحوّل هذا الإنسان إلى أشرس من الوحش الكاسر، قال حكيم:« لم يخلق الله وحشاً كالإنسان! ولم يخلق الإنسان وحشاً كالحرب»!
لقد سئم عقلاء أوروبا من كثرة الحروب، وجاء حكماؤها لرفضها حباً للسلام الإنساني فهذا الحكيم «إيمانويل كانط»، إن دقته في المعقولات سبقت في قضية الاستعمار، والسلام.
فقد كان الاستعمار يومئذ يخطو في الشرق والغرب خطواته الأولى، وكان الحكيم يتطير من عواقبه على السلام العالمي، وينبئ الناس بالحروب الكثيرة والثورات الجائحة التي تهددهم من جراء مطامع المستعمرين، وكان اعتقاده الذي أعلنه في بروسيا، ولم يحذر عواقبه أن القضاء على الاستعمار مرهون بقيام الحكومات الجمهورية التي لا تستغل جهود الأكثرين لإشباع نهمة الأقلين.
إن أسوأ فكرة خطرت على قلب الإنسان، أن يكون بطلاً في الحرب، وهناك ألف مكان آخر يمكن أن يكون فيه بطلاً حقيقياً، نحن لا نريد أكثر من أن نكون بشراً.
*كاتب إماراتي