مع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، بعد فوزه بانتخابات الثلاثاء الماضي، قد يشعر بعضهم في المنطقة العربية بالتوجس أو القلق، بناءً على سياسات ترامب السابقة في الشرق الأوسط، لكن قراءة دقيقة للمشهد السياسي الأميركي، وطبيعة شخصية ترامب التي تغيرت خلال السنوات الأخيرة، قد تقدم رؤيةً مغايرةً حول كيفية التعاطي مع عودته. فترامب الذي عرفناه سابقاً قد يكون مختلفاً في تعامله هذه المرة، خاصةً في ظل التجربة التي مر بها خارج السلطة.
خلال رئاسته الأولى، كان نهج ترامب في السياسة الخارجية مبنياً على البراغماتية، حيث تصرف كرجل عملي يعقد صفقات، ويبحث عن مكاسب سريعة ومباشرة، بعيداً عن الحسابات الأيديولوجية المعقدة.
هذا التوجه البراغماتي قد يستمر في ولاية ترامب الجديدة، لكن مع استيعاب أكبر للتعقيدات المحيطة بالمنطقة. وبالنسبة لملف إيران، على سبيل المثال، فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في عهد إدارة أوباما، وأعاد فرض عقوبات شديدة على طهران. هذا الموقف المتشدد يُبرز نهجَ ترامب القائم على استخدام العقوبات الاقتصادية سلاحاً لتحقيق أهدافه، ويُتوقع أن يستمر على هذا النهج، لكن ربما بمرونة أكبر تسمح له بتحقيق بعض التفاهمات التي تعود بالفائدة على الولايات المتحدة دون التورط في مواجهات مفتوحة، خاصةً بعد اكتسابه خبرة سياسية إضافية. وفي حال اتبع ترامب هذه السياسة، فسيكون على الدول العربية العمل على تشكيل استراتيجيات تضمن مصالحَها وتُوازن بين الضغوط الأميركية والسياسات المتغيرة في المنطقة.
من هذه الفرضية يمكن للدول العربية تبني نهج استباقي يقوم على استيعاب عقلية ترامب في التعاملات الدولية، فترامب، بمنطقه التجاري، ينظر إلى الشراكات الدولية على أنها فرص لتحقيق مكاسب مشتركة. ولهذا، فإن تقديم «العرض الأفضل» الذي يخدم المصالح العربية، ويعزز الاستقرار الإقليمي قد يكون وسيلةً فاعلة لكسب دعم الإدارة الأميركية في الملفات الحساسة.
وعلى سبيل المثال، يمكن للدول العربية دفع مبادرات اقتصادية وتنموية تُسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة، وربط هذه المبادرات بشراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة، ما يعزز أهميةَ المنطقة العربية محوراً استثمارياً.
وينبغي على الدول العربية تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، والعمل على تحسين مناخ الأعمال لجذب الشركات والاستثمارات الأميركية. لقد أثبتت التجربة أن ترامب يولي اهتماماً خاصاً بالتجارة والاستثمار، ومن المرجح أن تكون سياسته القادمة أكثر تقارباً مع الدول التي تتبنى هذا النهج. ومن خلال جذب الاستثمارات والشركات الأميركية، يمكن للعرب بناء جسور تعاون متينة، تضمن استمراريةَ الدعم الأميركي حتى في ظل تقلبات السياسة الداخلية في واشنطن.
ولا ننسى أن الولايات المتحدة، على الرغم من تغيير رؤسائها، تبقى دولةَ مؤسسات راسخة، هذه المؤسسات تعمل بشكل ممنهج لضمان مصالحها في الداخل والخارج، مما يعني أن أي قرارات يتخذها ترامب يجب أن تمر عبر تلك المؤسسات، الأمر الذي يقلل من احتمالية حدوث تقلبات حادة. وبالتالي، ينبغي على الدول العربية أن تبني استراتيجيات طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار آليات صنع القرار في الولايات المتحدة، وأن تستفيد من الاستقرار المؤسسي الذي تملكه واشنطن.
وفي الختام، فإن عودة ترامب إلى السلطة ليست سبباً للتوجس، بقدر ما هي دعوة لإعادة التفكير في كيفية التعاطي مع السياسة الأميركية. إن اتّباع نهج عملي وتقديم عروض استراتيجية تعزز المصالح المشتركة، قد يكون الخطوة المثلى لتحقيق مكاسب دائمة وملموسة.
*كاتب أردني مقيم في بلجيكا