بات العمل الإنساني قيمة أصيلة في المجتمع الاماراتي بفضل المبادئ التي يؤمن بها أهلها. وهذا العمل على وجه التحديد يسهم في ترابط الشعوب، ويمد جسور المحبة فيما بينهم أكثر فأكثر. ومن نافلة القول، إنه بفضل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، اكتسبت الإمارات سمعة دولية مهمة على صعيد العمل الخيري، بعد أن خطّ درباً عظيماً سار هو وأبناء بلده عليه ولا يزالون. فالشيخ زايد دعم الكثير من الشعوب والمجتمعات، وخصوصاً حين كانت تتعرض لكوارث وأزمات وحروب. وحينما رحل ظلت روحه وقيمه حاضرة، ونهجه الذي بات جزءاً لا يتجزأ من سياسة الدولة، ثابت.
وتأكيداً على أهمية ما سبق؛ فقد أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً اتحادياً يقضي بإنشاء مؤسسة «إرث زايد الإنساني» قبل أيام قليلة، وتحديداً يوم 27 أكتوبر الماضي.
ورسالة المؤسسة إنسانية، خيرية، وتنموية. وإلى جانب كونها تخلّد ذكرى الشيخ زايد الذي رحل قبل عشرين عاماً؛ فإنها تلقي الضوء على ملمح مهم من شخصيته، وهو الذي كان شغوفاً بالعمل الخيري، وحريصاً على مد يد العون للشعوب والدول المحتاجة.
ولا شك أن ضرورة المؤسسة الجديدة تنبع من حاجة المجتمع الإنساني للمزيد من الأعمال الخيرية في ظل التحديات الكثيرة التي تواجهها أغلبية الشعوب بسبب ما تفرضه الأزمات الصحية والكوارث الطبيعية عليهم من تحديات، فضلاً عن النزاعات والحروب التي تدمر مجتمعاتهم. وبالتالي فإن وجود هذه المؤسسة سيسهم إلى حد بعيد في دعم الملف الإنساني على مستوى العالم، كما ستكون سنداً وعوناً لبقية المؤسسات الإماراتية والدولية التي تهتم بهذا الشأن، خصوصاً أنها تمثل في جوهر الأمر إضافة نوعية للعمل الخيري كسياسة تتبعها الإمارات المشهود لها بأنها لم تتوان يوماً عن دعم الدول والمنظمات والمشاريع التي تهدف إلى سد حاجات المجتمعات في وقت الأزمات، والنهوض بها وتنميتها.
ولكون المؤسسة تتبع ديوان الرئاسة مباشرة، فإن هذا الأمر بحد ذاته مصدر قوة لها، وهي تترجم رؤيتها ورسالتها إلى أعمال ومبادرات وبرامج إنسانية دولية، إلى جانب توجيه الجهود نحو القضايا الأكثر إلحاحاً وتأثيراً على البشر وبما يصب في تحقيق الأهداف الإنسانية والتنموية.
والنقطة الأخرى المهمة بحضور مؤسسة خيرية كـ«إرث زايد الإنساني» تتمثل في انضواء 12 جهة خيرية محلية إماراتية تحت جناحيها، وهذا يؤكد مسألة جوهرية، وهي توحيد الجهود في سبيل إحداث أثر نوعي إيجابي أعمق وأشمل لتلبية الاحتياجات الكبيرة التي تعاني منها المجتمعات الفقيرة والمهمشة، والأخرى التي تتعرض لكوارث مدمرة.
والأمثلة كثيرة، ولا حصر لها على الدور الذي تقوم به الإمارات، وعلى ما تقدمه من مبادرات مهمة على هذا الصعيد، ومن بينها «مبادرة إرث زايد الإنساني» التي يمكننا اعتبارها مقدمة لإنشاء المؤسسة.
ففي شهر مارس الماضي، وبالتزامن مع «يوم زايد للعمل الإنساني»؛ أطلق صاحب السمو رئيس الدولة مبادرة بلغت قيمتها 20 مليار درهم تم تخصيصها للأعمال الإنسانية، وعلى مدى 10 سنوات، لدعم المؤسسات والمشاريع في مجالات العمل الإنساني، وتحقيق المساواة، وتعزيز التنمية المستدامة. واستهدفت المبادرة توفير جودة حياة أفضل للمجتمعات الأكثر حاجة لبناء مستقبل مزدهر وتحقيق التنمية المستدامة، بما يتضمن دعم المشاريع والمؤسسات العاملة في مجالات العمل الإنساني، وتعزيز حلول التنمية المستدامة، ودعم مجالات التعليم والصحة والبيئة والأمن الغذائي، والاستجابة للأوضاع الإنسانية الطارئة، واليوم نشهد تحوّل المبادرة إلى مؤسسة.
رحل الشيخ زايد، لكن مناقبه التي أورثها لأبنائه من بعده على امتداد الإمارات حاضرة، يكملون مسيرته، ويترجمون رسالته لخدمة القضايا الإنسانية. والتاريخ يشهد أن سجل الإمارات في إغاثة الشعوب في الأوقات الصعبة حافل لا تحصى مفرداته.