اليوم هو يوم الحسم في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي سيتوقف على نتائجها الكثير من التداعيات على صعيد الداخل الأميركي والساحة الدولية. وتعد هذه الانتخابات من أعجب حالات الانتخابات الرئاسية، لاعتبارات عديدة، لعل أهمها أنها المرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة التي يتقدم فيها مرشح للرئاسة سبق له أن خسر انتخابات التجديد لولاية ثانية، ففي انتخابات عام 1888 خسر الرئيس جروفر كليفلاند انتخابات التجديد، ثم رشحه حزبه الديمقراطي في انتخابات عام 1892 وكسبها، ولم تتكرر هذه السابقة إلا على يد دونالد ترامب. ويترقب العالم كله، وليس فقط الأميركيون، نتائجَ انتخابات اليوم، سواء بالنظر إلى المكانة العالمية للولايات المتحدة، أو لأن لترامب رؤاه الخاصة لقضايا دولية عديدة تتعلق بالسلم والأمن العالميين، مثل الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط والعلاقة بأوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبالتالي فإن فوزه بالانتخابات قد يفضي إلى تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية الأميركية ستكون لها تداعياتها الدولية الواضحة.
ومنذ انسحب بايدن من السباق الرئاسي، بعد أدائه الضعيف في المناظرة مع ترامب، أصبح من الصعوبة بمكان التوصل إلى ترجيح واضح لأحد المرشحَين في هذا السباق، فقبل انسحاب بايدن كان ثمة شبه إجماع على فوز ترامب، أما بعد دخول كامالا هاريس حلبةَ السباق فقد تقاربت الكفتان، وتبادل المرشحان الصدارة من حين لآخر وبفروق ضئيلة في معظم الأحيان. ورغم التقدم الكبير في وسائل قياس الرأي العام، فإن حالات الفشل في التنبؤ الصحيح بنتائج الانتخابات موجودة، وثمة سوابق تاريخية للفشل كما في الانتخابات البرلمانية البريطانية عام 1970، والتي أجمعت استطلاعات الرأي فيها على احتفاظ حزب «العمال» بالحكم بفارق كبير، فإذا بحزب «المحافظين» يفوز بها، فما بالنا بانتخابات اليوم التي اتسمت، منذ حلت هاريس محل بايدن كمرشحة للحزب الديمقراطي، بتوازن شديد، ناهيك بمفاجآت المرحلة الأخيرة من السباق الانتخابي، كانحياز قطاع من الناخبين العرب والمسلمين لترامب رغم سجله الصارخ في دعم إسرائيل، وذلك كنوع من التصويت العقابي لـ «الديمقراطيين» الذين يعتبر هؤلاء الناخبون أنهم لم يقوموا بما يكفي لوقف الأعمال الإسرائيلية في غزة، وكذلك كنتيجة لوعد ترامب لهم بوقف الحرب، إذا فاز.
ومع أن البعض، وربما الكثيرون، يعتريهم القلقُ من احتمالات فوز ترامب، نظراً لارتباطه بسياسات بالغة القوة في دعم إسرائيل، أهمها الاعتراف بالقدس عاصمةً لها، ونقل السفارة الأميركية فيها للقدس، والاعتراف بشرعية الاستيطان وضم الجولان.. فثمة رأيٌ آخر يذهب إلى عدم حدوث فروق نوعية بين تداعيات السياسة الأميركية على القضية الفلسطينية حال فوز ترامب أو هاريس. صحيح أن الإدارة الأميركية الحالية تبنّتْ عدداً من المواقف المعتدلة تجاه المواجهة الحالية، إلا أن أياً من هذه المواقف لم يُقَدَّر له أن يُطبق، حتى أن البعض يصف السياسة الأميركية الحالية بأنها إما فاشلة لأنها لم تستطع التأثير على إسرائيل، أو كاذبة بمعنى أنها تتبني مواقف معينة من قبيل تخدير الأطراف الأخرى كي تستمر في التفاوض، بينما تواصل إسرائيل تحقيق أهدافها. وبعبارة أخرى فإن أنصار هذا الرأي يرون أنه حتى لو واصل ترامب سياساته السابقة تجاه إسرائيل، فلن تكون مختلفة نوعياً عن سياسات بايدن، فيما يراودهم الأمل بأن ترامب، بشخصيته ووعوده وطبيعة سياساته، قد ينجح فعلًا في وقف الحرب.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة