إعادة تأهيل عقلية «الغيتو» في إسرائيل هي ما يقود مجمل التفكير خلال مسار صناعة القرار الإسرائيلي.
ولعل نظرةً سريعةً على الجهات الأربع، المحيطة بإسرائيل، وحول ما يحدث فعلاً على أرض الواقع، من شأنها أن تكشف ملامح تلك العقلية التي كانت حاضرةً على الدوام، بشكل أو بآخر، في قرار بناء الجدار العازل خلال السنوات الماضية، ثم إقامة منظومة القبّة الحديدية، والتي لم تحقق إلى الآن النجاحَ المطلوب، على ما يبدو.
وفي الوقت الحالي نرى عمليةَ جرف عسكرية في قطاع غزة، حيث المجال الحيوي الجنوبي ليكون متصلاً بعمق صحراوي، وشمال حدود إسرائيل المقسوم بين هضبة الجولان المحتلة، والتي لن تتنازل عنها إسرائيل إلا بتحقيق مراقبة كاملة عليها، أو يبقى ضمها كمنطقة مجال حيوي تحت السيطرة، وجنوب لبنان، وخاصة منطقة «حوض الليطاني» الذي تمارس فيه إسرائيلُ سياستَها عبر تفريغه بشكل كامل ثم مراقبته، جواً وبحراً وبراً بالكامل، ما يعني أن قرار الأمم المتحدة رقم 1701 لم يعد فاعلاً أو ذي معنى، ولعل هذا تقريباً ما صرّح به المبعوث الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط آموس هوكستين نفسه، والذي حمل في الآونة الأخيرة رسائل إسرائيلية جديدة مختلفة، ربما تعكس رؤيةً جديدةً في تل أبيب حول ضرورة وجود مجال حيوي تحت السيطرة الإسرائيلية في العمق اللبناني.
وفي الشرق، يعلن الجيش الإسرائيلي عن إنشاء فرقة عسكرية خاصة يتم تشكيلها للسيطرة على منطقة الأغوار والحدود الطويلة مع المملكة الأردنية الهاشمية، وهو ما قد يعني وجود منطقة عازلة بإشراف عسكري نوعي.
أما غرباً فقد تكفّل البحر الأبيض المتوسط بتحقيق المدى المفتوح والمسيطَر عليه بالنسبة لإسرائيل، علاوة على الثروات الغازية والموارد الطبيعية الوفيرة في هذا الحيز البحري المهم.
إنه إذاً مفهومُ «غيتو» بحجم دولة، وهو تفكير يحمل بذور حروب قادمة، لأن السيطرة على عمق الجوار وفي داخله، وإن كان - من زاوية النظر الإسرائيلية - يحقق شعوراً بالأمان، لوجود مجالات حيوية مسيطَر عليها، إلا أنه في الواقع يمثل قنابل موقوتة ومؤجلة الانفجار تنذر باشتعال حروب، وباندلاع أزمات قادمة في منطقة الشرق الأوسط التي لا تحتمل أوضاعُها الخاصة أيَّ أزمات قادمة، خاصة في طور التسويات الإقليمية لمشاريع تكاملية قادمة ضخمة للغاية.
لذا فالحل الوحيد أمام المنطقة ودولها ككل، هو النزول من الشجرة، وذلك تعبيراً عن الإيمان الحقيقي بضرورة ابتكار حلول سلمية تضمن للشعب الفلسطيني حقوقَه الكاملة، وأهمها حق تقرير مصيره في دولة مستقلة، واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية شريكا في السلام المأمول.. وغير ذلك لن يكون ألا وهماً قائماً على مشروع انغلاقي محكوم عليه بالفشل والاندثار.
احتمالات السلام موجودة ومتوفرة، وعقدة التفوق العسكري الإسرائيلي لا ينبغي أن تتعملق لتصبح عنواناً عاماً مشتركاً لأحداث المنطقة في السنوات القادمة، إذ في السياسة كما في الفيزياء، لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له بشكل اصطدامي في الاتجاه.
*كاتب أردني مقيم في بلجيكا