تتأهبُ أوكرانيا وحلفاؤها لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، عبر تدارس مختلف السيناريوهات الممكنة لما قد يفعله دونالد ترامب أو كمالا هاريس. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح هو: ما الذي قد يفعله الرئيس جو بايدن لأوكرانيا، بغض النظر عمن سيفوز في 5 نوفمبر؟
بايدن سيبقى في منصبه لفترة 76 يوماً بعد الانتخابات، ولكن ليس كبطة عاجزة تماماً. وفيما يتعلق بموضوع أوكرانيا، سيكون من الحكمة أن يستغل بايدن هذه الفترة الانتقالية لقلب الطاولة في حرب أخذت كفتُها تميل لصالح روسيا. 
أولاً، لنتأمل ما يمكن أن يفعله بايدن لتغيير زخم الحرب في حال فوز ترامب. في إطار سيناريو نوقش كثيراً بين حلفاء واشنطن الأروبيين في حلف «الناتو»، يمكن لبايدن أن يأذن على الفور لكييف بشن ضربات بعيدة المدى باستخدام أنظمة الصواريخ التكتيكية التي توفرها الولايات المتحدة، والمعروفة اختصاراً بـ «أتاكمز». وهو إذنٌ سعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحصول عليه منذ شهور من أجل ضرب القواعد الجوية الروسية وأهداف أخرى تستخدمها موسكو لمهاجمة الأراضي الأوكرانية. 
بايدن رفض السماح بتلك الهجمات، خشيةَ أن تؤدي إلى تصعيد روسي. لكن رغم تهديدات روسيا، يمكن لبايدن أن يعلّل هذه الخطوة الآن بعدد من الأسباب والمسوغات المعقولة. إذ يمكنه أن يشير إلى ما حدث من تدمير لمحطات الطاقة الأوكرانية وغيرها من الأهداف المدنية الأخرى، وهو ما يوفّر لكييف أساساً قانونياً وأخلاقياً للدفاع عن نفسها. ويمكن لواشنطن، وينبغي لها، تقديم المزيد لمساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها من الهجمات واسعة النطاق على البنية التحتية للطاقة، والتي من شأنها أن تترك الأوكرانيين يرتجفون برداً هذا الشتاء. 
كما يمكن لبايدن أن يشير إلى الهجوم الهجين المكثف على أراضي «الناتو»، في إطار استراتيجية منسقة تشمل أعمال تخريب وتوغلات بطائرات مسيّرة وتشويشاً إلكترونياً على الطيران المدني في أوروبا. ويعتقد مسؤولو الناتو أن هناك أيضاً تهديداً روسياً متزايداً بقطع الكابلات البحرية الهامة التي تشغّل الإنترنت.
وحتى الآن، كانت واشنطن وحلفاؤها تحاول بقلق اجتراح خطة دفاع. ولكن حان الوقت لكي تُظهر للكرملين أنه سيواجه عواقب أفعاله.
وفي هذا السياق، قال لي كميل غراند، وهو مسؤول فرنسي رفيع سابق في حلف الناتو يعمل حالياً في «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»: «من المهم وضع ثمن لبعض السلوكات»، مضيفاً: «كل هذه الأمور يجب ألا تمر من دون محاسبة أو عقاب».
والواقع أن مجرد تحولٍ صغير في الزخم لصالح أوكرانيا قد يساعد على منع ترامب من محاولة إجبار كييف على الخضوع لرغبة موسكو. كما أن بعض «جمهوريي» الكونجرس قد يعارضون إضعاف زيلينسكي، وبالتالي إضعاف شركاء واشنطن في حلف الناتو، تحديداً في الوقت الذي تحقق فيه أوكرانيا زخماً.
بريطانيا وفرنسا ستؤيدان على الأرجح السماح لأوكرانيا باستخدام بصواريخ بعيدة المدى غربية الصنع، تنتقل بسرعة أكبر من الطائرات المسيّرة أوكرانية الصنع. وقد زوّدت كل من لندن وباريس ترسانةَ كييف بصواريخ بعيدة المدى، لكنها تحتوي على أجزاء أميركية الصنع، ما يعني أنه لا يمكن إطلاقها من دون موافقة واشنطن. 
والحال أن موافقة بايدن يمكن أن توفّر غطاءً سياسياً للمستشار الألماني أولاف شولتز لإرسال صواريخ «توروس» الألمانية بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وهي ذخيرة دقيقة وخارقة للتحصينات يصل مداها قرابة 482 كيلومتراً، مقارنة بحوالي 321 كيلومتراً لصاروخ «أتاكمز».
بيد أن الموافقة على استخدام هذه الصواريخ ليست حلاًّ سحرياً. ذلك أن الكرملين نقل بعض الأهداف المحتملة إلى عمق الأراضي الروسية، بعيداً عن مدى الصواريخ الغربية. غير أنه إذا كان العالم قد تعلّم أي شيء في هذه الحرب، فهو أن كييف قد تجد طرقاً للاستفادة من الأدوات المتاحة من أجل بناء موقف دفاعي أقوى.
والآن، لنتأمل ما يمكن أن يفعله بايدن لمساعدة أوكرانيا في حال فازت هاريس ونائبها في الصفقة.
المهم أن بايدن يمكنه أخيراً أن يجعل موقف الولايات المتحدة منسجماً مع موقف الحلفاء في «الناتو»، الذين يؤيدون منحَ كييف دعوةً رسميةً للانضمام إلى الحلف، بما يتجاوز الدعم الفضفاض الذي أعلن عنه التكتل لسير أوكرانيا «الذي لا رجعة فيه» نحو العضوية. وهو ما من شأنه أن يضع ضغوطاً على ألمانيا لتحذو حذو أميركا، إلى جانب عضوين صغيرين ممتنعين هما المجر وسلوفاكيا. كما أن من شأنه أن يمثّل خطوة أولى نحو ضمانة أمنية يمكن أن تُقنع أوكرانيا بقبول اتفاق سلام بشروط واقعية.
وحتى مع وجود دعوة رسمية للانضمام إلى «الناتو»، فإن انضمام أوكرانيا إلى الحلف قد يستغرق سنوات. ومع ذلك فإن من شانه أن يحدد أجندة سلام لهاريس، وإن كانت أجندة شائكة.
وبالتنسيق مع الحلف، سيتعين على هاريس مناقشة شروط الدفاع عن الأراضي غير المحتلة لدولة عضو جديدة تتعرض حدودها للانتهاك. مهمة ليست بالهيّنة بلا شك، لكن من شأنها أن تحفّز الأعضاء الأوروبيين وتدفعهم لزيادة الإنفاق على الدفاع والقدرات الدفاعية، التي تُعد الرادع الوحيد الموثوق في المستقبل.
وأياً تكن إنجازات بايدن في حشد التحالف الغربي والكونجرس والشعب الأميركي حول قضية أوكرانيا، فإن النتيجة هي أن حرب استنزاف مستمرة منذ 3 سنوات حتى الآن، تمثّل صورةً منقوصةً للنجاح. غير أنه بعد إجراء الانتخابات، ستتاح له فرصة أخيرة لوضع أوكرانيا في أفضل وضع ممكن، ويجدر به اغتنامها.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»