استضافت قازان الروسية القمة الـ16 لبريكس بمشاركة 40 دولة، 24 دولة منها ممثلة بقادتها، وللمرة الأولى تشارك الإمارات فيها بصفتها عضواً، وذلك بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. وقد ركزت القمة على تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين. وقد خلص بيان القمة الختامي إلى إعلان الموافقة على انضمام 10 دول شريكة جديدة لتصبح مجموعة بريكس أحد أكبر التحالفات الدولية الآخذة بالتوسع. ومن جهة ثانية ناقش القادة المشاركون القضايا الراهنة، ومن بينها الأحداث السياسية الكبرى، بدءاً من أزمة أوكرانيا التي اندلعت منذ فبراير 2022، إلى الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 ، ثم التصعيد الخطير الذي وصل إلى الأراضي اللبنانية والسورية وإيران. والكلمة التي ألقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان فيها تأكيد على أن الإمارات تدعم العمل الدولي متعدد الأطراف بما يخدم التنمية والسلام إقليمياً ودولياً، وبما يعزز الجهود الجماعية لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ويضع بالتالي حداً للنزاعات المسلحة مع ضمان التزام جميع أطراف النزاعات بحل الخلافات دبلوماسياً.
من جهة ثانية؛ عُقدت القمة وما تزال الكثير من المشاكل عالقة حتى اليوم. فالدول الكبرى لم تتمكن من الوصول إلى صيغة مشتركة لما يتعلق بقضايا ساخنة أخرى، ومن بينها قضية المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري، ومسألة البحث عن بدائل للطاقة النظيفة صديقة البيئة.
إن إعادة هندسة الواقع الدولي من شأنه أن يحقق الاستقرار العالمي وبالتالي التقارب بين نصف سكان الكرة الأرضية تقريباً، وهو ما سيساعد في جعل بريكس منصة مهمة للحوار ولبحث القضايا العالمية وعلى رأسها الاقتصاد، حيث شكل الاستقلال الاقتصادي والنقدي بعيداً عن هيمنة المؤسسات التقليدية العالمية محوراً أساسياً في نقاشات القادة. وما يدعم هذا الهدف هو إنشاء بنك التنمية الجديد عام 2014، والذي تم تأسيسه لدعم المشاريع العامة أو الخاصة، وحتى نهاية عام 2022؛ وصل إجمالي القروض التي قدمها البنك للدول الناشئة إلى نحو 32 مليار دولار لإنشاء مشاريع جديدة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
والاستقلال الاقتصادي مسألة ممكنة التحقق، خصوصاً إذا علمنا أن قيمة اقتصادات الدول الأعضاء في المجموعة تزيد على 28.5 تريليون دولار، أي نحو 28% من الاقتصاد العالمي، فيما تنتج دول بريكس نحو 44% من النفط الخام في العالم، و38% من الغاز، و67% من الفحم، وأكثر من 30% مما يحتاج إليه العالم من السلع، كما تتحكم بأكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتستحوذ أيضاً على ربع صادرات السلع في العالم، وهناك توقعات بنمو المجموعة بنسبة 4%. أما مجموع الناتج الإجمالي المحلي لدول المجموعة فيصل إلى 60 تريليون دولار، أي ما يزيد على الناتج الإجمالي لمجموعة السبع الكبار. وحسب بيانات صندوق النقد الدولي؛ تشكل مجموعة بريكس حالياً نحو 16% من التجارة العالمية، و16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات، كما يقدر إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك للمجموعة بأكثر من 4 تريليونات دولار.
ومما لا شك فيه أن بريكس ككيان (لم ينشأ ضد أي اتحاد أو مجموعة) مثلما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو أيضاً (ليس ضد الغرب، وإنما هو فقط ليس غربياً) حسب تعبير رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
ولهذا كله؛ فإن بريكس يعني في نهاية المطاف حاجة شديدة لخلق عالم متعدد الأقطاب، التوازن سمته، ومواجهة الحروب غايته، والتنمية مآله.