أكدت القمة المنعقدة مؤخراً في العاصمة البلجيكية بروكسل، بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الاتحاد الأوروبي، والتي جرت تحت عنوان «الشراكة الاستراتيجية من أجل السلام والازدهار»، إيمانَ الجانبين، الخليجي والأوروبي، بأهمية تعميق الشراكة بينهما على مختلف المستويات، وفي المقدمة منها المستوى الاقتصادي.
ويأتي ذلك التأكيد انطلاقاً من إدراك تام لأهمية الروابط الخليجية الأوروبية، الاقتصادية والسياسية، المتنامية، علاوةً على التحديات التي تواجه السلام والأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولم يتوقف الجانبان، الأوروبي والخليجي، منذ سبعينيات القرن الماضي، عن السعي إلى بناء الشراكة الاستراتيجية على أساس الاحترام وقاعدة الثقة المتبادلة، وبالانطلاق من المصالح المشتركة، ومن الحاجة إلى تعزيز الأمن والازدهار العالمي والإقليمي، بما في ذلك منع ظهور النزاعات وضرورة العمل على الحد من تصاعدها والحرص على إنهاء الأزمات وتسوية الخلافات من خلال تعزيز الحوار والمشاركة والتنسيق بين جميع الأطراف، علاوة على حماية حقوق الإنسان المعترف بها دولياً. ويدرك الجانبان على نحو واضح الحاجةَ إلى دعم نظام دولي متعدد الأطراف، وإلى تنشيط عوامل التنمية المستدامة ومحركات الازدهار. كما تؤكد الشراكة الخليجية الأوروبية أولوية الحوار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، كونه يصب في مصلحة الجميع دون استثناء، وكونه السبيل إلى تحقيق المصالح والطموحات المشتركة في مختلف المجالات.
وما من شك في أن العمل التحضيري المكثف، من خلال حوارات الطرفين حول التطورات الجيوسياسية، وقضايا الأمن الإقليمي، والاقتصاد الكلي، وملفات التجارة والاستثمار، وبيئة الأعمال، والتواصل الشامل، والبحث والابتكار، والتعاون التنموي، والتنسيق في مجال العمل الإنساني.. كل ذلك عزز مقومات الشراكة الخليجية الأوروبية بشكل كبير ساعد على تطوير الفهم المتبادل بين طرفيها.
وتضاف إلى ذلك أيضاً الشراكةُ من أجل الازدهار والأمن المستدامين، والجهود الرامية إلى تعزيز التجارة وتنمية الاستثمار وتوسيع التعاون الاقتصادي، عبر إقامة علاقات تجارية واستثمارية مزدهرة ومفيدة للجانبين. إن العلاقات الخليجية الأوروبية علاقات متعددة المجالات والأبعاد، ويجب تطويرها حيثما كان ذلك ممكناً، من خلال الأطر متعددة الأطراف، بالإضافة إلى القنوات الإقليمية والثنائية معاً. كما أن المضي قدماً في المناقشات عالية المستوى بين الطرفين، على المستوى الإقليمي، من شأنه أن يساعد في التوصل إلى اتفاقية جماعية للتجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي؛ وهي اتفاقية ستشمل الاستثمار أيضاً باعتباره أحدَ أهم الملفات في علاقات الجانبين حالياً.
ولا يخفى أن ترتيبات التعاون الموقعة بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، تصب في إطار تعزيز الشراكة بينهما، وأن السعي لضمان مستقبل اقتصادي مزدهر للكتلتين، الأوروبية والخليجية، مرهون إلى حد كبير بقدرتهما على تعزيز قواعد الشراكة كأساس لتحقيق المصالح المشتركة، بما في ذلك العمل معاً على منع حدوث أي اضطراب في سلاسل الإمداد، إقليمياً وعالمياً، عبر إيجاد اقتصادات أكثر تنوعاً في قطاعاتها المنتجة للقيمة. وهذا بالطبع مع ضرورة الإسهام في تطوير سلاسل القيمة العالمية المستدامة والقادرة على التحمل، بما في ذلك تأمين سلاسل إمداد الطاقة المستدامة والتقنيات النظيفة والمواد الخام والمعادن الثمينة.
وكل هذا يتحقق في ظل وجود إطار مستقر ومنتظم للتفاعل بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، وفق أجندات متعددة الأطراف متحاوَر بشأنها. إن العلاقات الراسخة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي تعد نموذجاً للعلاقات بين الكتل والكيانات القوية المستقرة في العالم، وهي تؤسس لمرحلة جديدة ومهمة في مسار التعاون البنّاء والشراكة المثمرة بينهما.
* كاتب كويتي