ترسل الولايات المتحدة الأميركية إلى إسرائيل نظامَ «ثاد» الدفاعي، وهو أحد أكثر أنظمتها المضادة للصواريخ تقدماً، إلى جانب إعادة تمركزها في المنطقة بغية تقديم الدعم اللازم بعد أن أصبحت الإشارات أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، إلى أن إسرائيل تنوي الرد على إيران بسبب هجومها الصاروخي في الأول من شهر أكتوبر الجاري. ونحن كمراقبين نرى تبادلَ التهديد والوعيد بين الجانبين، الإسرائيلي والإيراني، بينما على أرض الواقع تضرب إسرائيل بقوة على جميع الاتجاهات في محيط التهديد المباشر على أمنها القومي، وتمضي قدماً في محاولة لفرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى، فربما يمكن إدراك النية الاستراتيجية الإسرائيلية من خلال تصنيف وتحديد الأهداف المحتملة في الجانب الإيراني، رغم الخداع الاستراتيجي من خلال الاعتماد على أسلوب الانتقام الانتقائي المحدود، والذي بدوره لا يصعد إلى مستوى تهديد وجودي واسع لكلا الطرفين. وعليه فإن الردع على الجانبين هو ردع يتصف بالرمزية أكثر من كونه ذا أهمية استراتيجية مؤثرة.
لكن في الوقت نفسه هناك مكاسب واسعة للجانب الإسرائيلي، أو ما يسميه بعض المتشددين «حلم إسرائيل الكبرى»، مع ضمان الكف عن عمل من شأنه إحداث تغيير دراماتيكي في الجانب الإيراني، حتى ولو وجهت إسرائيلُ ضربةً لأهداف محدودة قد تشمل منصة نفطية مهمة أو سفينة حربية ما، أو مواقع رادارية، أو مركز قيادة وسيطرة رئيسياً.. إذ سيتم الإعلان عن مثل هذا الهجوم قبل وقت طويل بغية الحد من الخسائر المدنية الجانبية. وبالطبع فسينتج عن تلك الضربة كثير من الدخان وآثار الدمار، لكن المواقع المستهدفة بالضربة هي في الأصل خارج الخدمة أو تم إخلاؤها مسبقاً أو تم الوصول لقرار يقضي باستبدالها، وربما حصول الطرف المستهدَف على تعويض مسبق عنها.. ومناشدات من القوى الدولية الكبرى تدعو الطرفين، الإسرائيلي والإيراني، إلى ضبط بوصلة الصراع.
إن حدوث مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل أمر مستبعد بقوة، وذلك لأسباب كثيرة، منها أن إيران تمكنت من إظهار قوتها العسكرية إعلامياً وشعبياً على أقل تقدير، أما أن يستهدف الجيش الإسرائيلي الأصول الحيوية في الجانب الإيراني فذلك بمثابة مخطط لإشعال المنطقة. وطالما أن هذا السيناريو مطروح ومتداول في كل وسائل إعلام العالم، بل هو الشغل الشاغل للساحة السياسية الدولية، فستستمر إسرائيل في التوغل بجنوب لبنان، وفي تهجير سكان غزة والضفة الغربية بلا رجعة، أو إنْ كانت هناك رجعة فستكون إلى مناطق محمية تحت الوصاية الدولية، منزوعة السلاح وخالية من أي وجود عسكري فلسطيني. وفي الوقت ذاته تحقيق الأهداف الأخرى لإسرائيل، لا سيما في سوريا والعراق. ولذا يمكن التساؤل: هل ما تفعله إيران هو عملية تبادل وتسليم استراتيجي أم صراع عسكري بالفعل كما يُصَوَّر للعالم؟
ولك أن تتساءل أيضاً في ظل المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله»: ماذا وراء ضبط النفس الإيراني؟ وهل تخلت إيران عن «محور المقاومة»؟ لماذا ظلت هادئة بشكل ملحوظ رغم التصعيد الجاري في لبنان؟ وهل استنفذت بعضُ الأطراف الدورَ المطلوب منها، وبالتالي فلا أهمية للتدخل العسكري المباشر؟
ربما يعتقد الإيرانيون أن الصراع لم يصل بعد إلى نقطة يواجه فيها «حزب الله» تهديداً وجودياً، وأن الحزب قادر على الدفاع عن نفسه وتحمل هذه المرحلة من الصراع. وإذا ما تحدثنا عن الاستراتيجية الأيديولوجية الإيرانية، فإنه يتعين القول بأن لإيران أولويات أخرى تفرض نفسها في الوقت الحالي.
بيد أنه بالرجوع إلى العواقب الأكثر استراتيجيةً لتصعيد الهجمات الإسرائيلية داخل لبنان، وبالخصوص في مناطق الجنوب والشرق اللبنانيين، يتبدى جلياً بأنه من المحتمل جداً أن تفقد إيران قدرةَ الردع ضد أي هجوم إسرائيلي على مواقعها النووية الحساسة، ولذلك السبب يبدو من المستبعد أن تواصل طهران صمتَها عما يحدث بحق «حزب الله»، إلّا إذا كانت الأمور محسومةً في هندسة جديدة للمنطقة تتم التهيئة لها من خلال الدبلوماسية السرية، وهي الأهم في العلاقات الدولية في القرن الحالي.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات