كانت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي تحظى دوماً بأهمية اقتصادية، لكن هذه الشراكة تبدو اليوم، واليوم تحديداً، أكثر حيوية وإلحاحاً بالنسبة لطرفيها.
وفي القمة الخليجية الأوروبية الأخيرة في بروكسل، لم يكن الاقتصاد مجرد ملف من بين ملفات عدة، بل كان في صدارة المحادثات، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 155 مليار يورو في عام 2022، وهو رقم يكشف حجم هذه العلاقة الاستراتيجية التي تستفيد منها أوروبا بشكل كبير، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية.
ما يعزز هذه العلاقة هو اعتماد أوروبا المتزايد على واردات الطاقة الخليجية، مع تحول الغاز والنفط المستوردين من منطقة الخليج إلى مورد رئيسي لتعويض النقص الذي تركه توقف الإمدادات الروسية، مما يجعل دول مجلس التعاون الآن جزءاً لا يتجزأ من معادلة الطاقة الأوروبية، إذ إن صادرات الطاقة من الخليج إلى أوروبا، والتي بلغت قيمتها حوالي 80 مليار يورو في العام الماضي، تُعتبر عنصراً أساسياً لاستقرار الأسواق الأوروبية التي ما تزال تبحث عن بدائل آمنة ومستقرة.
لكن هناك نقطة مهمة تتجاوز مجرد النفط والغاز، وهي تحول دول الخليج إلى شريك اقتصادي كبير ومهم وشامل. فالمملكة العربية السعودية، من خلال رؤية 2030، تسعى إلى تنويع اقتصادها بشكل كبير، وهو ما يوفر فرصاً ضخمة للاستثمار الأوروبي في قطاعات تشمل الطاقة النظيفة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية.. إلخ. الاستثمارات الأوروبية في الطاقة المتجددة وحدها وصلت إلى أكثر من 20 مليار يورو في الأعوام الأخيرة، وهذا الرقم مرشح للزيادة مع توسع المشاريع التي تستهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وبالنسبة لأوروبا، تمثل منطقة الخليج اليوم سوقاً واعدة ومصدراً هاماً للاستثمارات المستقبلية، إذ تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول مثل الإمارات والسعودية.
ودولة الإمارات التي تستثمر بشكل كبير في تطوير قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، وتكنولوجيا الفضاء.. إلخ، تملك إمكانيات هائلة من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة أمام الشركات الأوروبية للمساهمة في التحولات الجديدة.
ومن جهة أخرى، تظل مسألة التجارة الحرة موضوعاً مطروحاً على الطاولة منذ سنوات، حيث كانت هناك محاولات سابقة للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، لكن هذه المحاولات تعثرت بسبب خلافات هي ذاتها مثار جدل داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، ومع ذلك يبدو أن الجانبين أصبحا أكثر انفتاحاً على تعزيز العلاقات الثنائية بشكل يتجاوز تلك العقبات. المبادرات الأخيرة التي تركز على التعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة توحي بأن ثمة إرادة حقيقية من الطرفين لتعزيز العلاقات التجارية بشكل يتماشى مع متطلبات العصر.
الاتحاد الأوروبي يدرك أن تعزيز علاقاته الاقتصادية مع الخليج ليس مجرد خيار تكتيكي لتجاوز أزمة الطاقة الحالية، بل هو رهان استراتيجي طويل الأمد.
دول الخليج، بدورها، ترى في التعاون مع أوروبا فرصة لتعزيز بل وتثبيت مكانتها على الساحة الدولية وتحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي، خصوصاً في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة.
وبالمحصلة، فإن التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي يعزز الاستقرار السياسي والجيوسياسي في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً، في وقت يبحث فيه الجميع عن شركاء موثوقين وأسواق مستقرة.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا