عُرف عن المفكر والكاتب والأديب السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، رجاحة عقله وسعة أفقه وعمق تفكيره، وتوازنه الفكري وصرامته المنهجية.. كما عُرف بما ميَّزه عبر مسيرته الثقافية من نجاحات وإنجازات فكرية وأدبية وأكاديمية، وهو ما أهّله في عام 2022 للحصول على جائزة شخصية العام الثقافية، أحد فروع جائزة الشيخ زايد الدولية للكتاب في أبوظبي.
وتقديراً لإنجازاته الأدبية والثقافية والإعلامية الرائعة، نال أيضاً جائزةَ مؤسسة سلطان العويس الثقافية في الدراسات النقدية عام 1999، كما نال تكريمَ مؤسسة الفكر العربي للإبداع النقدي في عام 2002. وللدكتور الغذامي 60 كتاباً أدبياً وثقافياً ونقدياً، بالإضافة إلى حضوره الفعال على المسرح الإعلامي العربي، الثقافي والفكري.
وقد أطل علينا الغذامي، في الآونة الأخيرة، عبر إحدى المنصات المرئية خلال لقاء ممتع وشيق، ضمن فعاليات أقرأ، حيث تناول مواضيع أدبية متنوعة، لنجد أنفسَنا أمام شخصية متمكنة، تملك روحَ الدعابة وسرعة البديهة، رغم الأجواء المشحونة بحزن عربي على ما تشهده بيروت ومناطق عربية أخرى من مآسٍ ونكبات. وفي معرض حديثه ذاك، قدّم الدكتور الغذامي مقاربةً فيها روح الدعابة التي تؤصل لروح الأخوّة بين الشعبين الشقيفين في المملكة ومصر، عند مقاربته الذكية حول الإمام محمد عبده (1849- 1905)، مستشهداً بفكره كواحد من أهم علماء النهضة العربية الحديثة.
وقال إنه يتحدث عن الشيخ العلامة محمد عبده وليس المطرب محمد عبده، موضحاً في هذه الجزئية أنه لدينا في المملكة مع إخوتنا المصريين مشكلةً في تشابه الأسماء واختلاف مجالات الشخصيات ذات الأسماء المتشابهة، فهم عندهم الإمام الشيخ محمد عبده، وعندنا الفنان المطرب محمد عبده، ولدينا الشيخ محمد عبد الوهاب الذي شهد تأسيس الدولة السعودية الأولى في الدرعية عام (1727)، ولدى أهلنا المصريين المطرب والملحن محمد عبد الوهاب.. موضحاً أنه لم يجد تفسيراً لهذه الحالة الغريبة وذلك التشابه في الأسماء مع فارق المجالات!
وبذلك أضفى الغذامي طابعَ المرح على أجواء الحضور الذي قاطعه عبر التصفيق الحار والإعجاب بروحه المرحة وخفة دمه التي طغت على اللقاء. واستغرب كثيرٌ من المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي حديثَ الغذامي الذي وصفوه تحبباً وإعجاباً بـ«الخروج عن النص هذه المرة»، حيث تعودوا على محاضراته الفكرية وندواته الثقافية وكتاباته الجادة الرزينة، المفعمة بالعلم والفكر والمعرفة الضافية والثقافة الواسعة والعمق الفلسفي في المقاربة والبحث والتحليل. ويعَد الدكتور الغذامي مِن أهم النقاد الأدبيين في المنطقة العربية، وقد اشتهر بنهجه الرصين الذي يجعله ينفر من أي أعمال أدبية أوفنية تتصف بالضعف أو الركاكة.. وذلك لأنه لا يهادن ولا يجامل على حساب العلم والمعرفة، أو خلافاً لقناعاته الثقافية والفكرية.
كما أن خفة دم إخوتنا المصريين كسرت حاجز السكون والركود والجمود، وكان لها دور في إخراج أديبنا ومفكرنا الغذامي من مربع الجدية الأكاديمية كي يتحفنا بتلك المقارنات الجميلة والمفارقات اللطيفة حول التشابه في الأسماء والتباين في المجالات. وأخيراً نكرر دعاءَنا بأن يبارك الله في مشايخنا وعلمائنا الذين تعلمنا منهم الكثيرَ، وتحيةً لمطربينا الذين رسموا هذه الابتسامة على محيا مفكرنا الكبير الدكتور عبد الله الغذامي.
*كاتب سعودي