قبل عام، شنّت «حماس» سلسلة من الهجمات التي أسفرت عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأسر 250 رهينة. وقبل ذلك، كانت «حماس» قد سعت منذ فترة طويلة إلى جعل القضية الفلسطينية غير مسموعة وغير مقبولة من قبل الإسرائيليين، وعارضت اتفاقات أوسلو. بيد أن التأكيد على مسؤولية «حماس» الهائلة لا يعني إنكار مسؤولية بنيامين نتنياهو. وهذه الأخيرة متعددة الجوانب.

فأولاً وقبل كل شيء، نتنياهو هو الذي منح «حماس» الأفضلية لمعارضة إقامة دولة فلسطينية. كما أنه هو الذي جلب إلى الائتلاف الحكومي حزبين متطرفين، كان ممثلوهما قد دعوا إلى اغتيال رابين. ولهذا، فإن بنيامين نتنياهو هو الذي جعل أي آفاق سياسية للفلسطينيين مستحيلة، الأمر الذي صبّ بشكل غير مباشر في مصلحة «حماس». اليوم وبعد مرور عام على السابع من أكتوبر، يبدو المجتمع الإسرائيلي تحت وقع صدمة مستمرة وأعمى عن معاناة الشعب الفلسطيني.

والحال أنه بعد مرور عام على الحرب، وصل عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين إلى 41 ألف قتيل على أقل تقدير، يضاف إليهم ما يناهز 100 ألف جريح. حصيلة من المرجح أن تكون أعلى من ذلك بكثير إذا أضفنا عدد الضحايا الذين ما زالوا تحت أنقاض القصف أو الذين توفوا متأثرين بإصاباتهم. إسرائيل تنتقم في غزة، وفي الضفة الغربية، والآن في لبنان، وربما قريباً في إيران. واستخدام القوة هائل، وواضح أن القادة السياسيين في إسرائيل، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، يرون أن القوة هي السبيل الوحيد لاستعادة الأمن. والحال أن التاريخ والأحداث أظهرت أن سياسة القوة هذه طريق مسدود.

ماذا يحدث الآن في غزة؟ الحياة هناك لا تطاق، إذ لا توجد بنية تحتية ولا نظام صحي أو تعليمي. والفلسطينيون ما زالوا مجبَرين على التنقل في هذا القطاع الذي لا تتجاوز مساحته بضعة كيلومترات مربعة هرباً من القصف، وكل ذلك دون أي آفاق وفي ظل التهديد الدائم بالموت جراء غارة إسرائيلية. والولايات المتحدة أظهرت عجزها خلال هذا العام. فجو بايدن جامد ولا يريد أن يجازف بإعادة انتخابه، والآن بانتخاب كمالا هاريس، من خلال الانخراط أكثر في حل هذا الصراع.

إسرائيل لم تقبل أياً من المطالب الأميركية تقريباً، رغم أن الولايات المتحدة تواصل تزويد إسرائيل بالسلاح، في الوقت الذي تدعو إلى وقف إطلاق النار. وبالتالي، فإن المرء لا يملك إلا أن يلاحظ أن القوة العظمى الأميركية لا تملك في النهاية تأثيراً كبيراً على الصراع. وفي الأثناء، تبدو فرنسا حاضرةً بقوة صوتياً وغائبة تماماً من حيث التأثير. فقد ولّت منذ زمن بعيد الأيام التي كان يُستمع فيه إلى فرنسا في المنطقة. والاتحاد الأوروبي يُظهر تناقضاته، كما تشهد على ذلك عمليات التصويت في الأمم المتحدة - حيث تنقسم الدول الأعضاء بشكل ممنهج بين ممتنع عن التصويت، أو مصوِّت مؤيد أو مصوِّت معارض.

وعلى هذه الخلفية، تشعر دول الجنوب العالمي بالغضب من ازدواجية معايير الدول الغربية التي لا تتوانى عن إدانة روسيا في حرب أوكرانيا، وتطالب بفرض عقوبات على روسيا التي استُبعدت أيضاً من الألعاب الأولمبية، ولكنها لا تفعل شيئاً حيال ما تفعله إسرائيل في حق المدنيين الفلسطينيين. وفي الأثناء، تشكو روسيا من خطاب ازدواجية المعايير، إذ تقول إنها تدان على عملياتها في أوكرانيا، بينما لا يقول الغرب شيئاً عن إسرائيل.

ومن جانبها، تحاول الصين تهدئة الوضع، عبر الدعوة إلى وقف إطلاق النار في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط، والتأكيد على مسؤولية الولايات المتحدة في الصراعين، ما دام أنها تزوّد أوكرانيا وإسرائيل بالسلاح. وهنا أيضاً، تجد الصين وسيلة لتسجيل نقاط في تنافسها مع الولايات المتحدة على الهيمنة العالمية. بعد مرور عام على هجمات السابع من أكتوبر، تبدو القوة هي سيدة الموقف في كل مكان.

والحال أن سياسة القوة هذه سبق أن تبنتها الولايات المتحدة في العراق، وأدت إلى التدخل في ليبيا، والحروب في السودان، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي هذا السياق، يراقب كل طرف الطرف الآخر ويقول في نفسه إنه أصبح من المقبول اللجوء إلى القوة. وفي عالم تنظّمه القوة العسكرية، بات القانون الدولي في تقهقر.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس