تتصاعد الأوضاع في الحكومة الإسرائيلية بوتيرة عالية مرتبطة بنزعة عسكرية كبيرة ولافتة تركز على ضرورة تنحية الخيارات السياسية والدبلوماسية في الإقليم، وتبني مقاربة عسكرية كبيرة لحسم كل الخيارات والمخاطر التي تواجه الدولة العبرية في محيطها الإقليمي.
هذه النزعة تعكس عدم التركيز على خيارات سياسية من أي نوع، فما يشغل إسرائيل في الوقت الراهن، بعد أن نجحت في تسكين الأوضاع الأمنية والاستراتيجية في قطاع غزة، للتعامل العاجل مع الجبهات الأخرى المناوئة -والتي يجب وفقاً لمفهوم إسرائيلي - سرعة التعامل معها في إطار سلم الأولويات الموضوع في الوقت الراهن، جنباً إلى جنب بنك الأهداف التي تعمل عليه إسرائيل، سواء تجاه إيران والتعامل العسكري الشامل أو الجزئي، وفق سيناريوهات تبدو مرحلية وتدريجية، وفي نطاق أشمل من السيناريوهات التي يجب النظر إليها على أنها جزء من كل في إطار ما يجري داخل إسرائيل. وهيمنة النزعة العسكرية تفسر لنا لماذا تتعجل إسرائيل في دفع كل الجبهات المناوئة إلى حافة الهاوية، مع التركيز على عملية لبنان، ودفع عناصر «حزب الله» إلى مناطق التماس بالقوة، مع إنهاء أي مخاطر من مناطق التماس كما هو متصور إسرائيلياً.
يتفق المستويان السياسي والعسكري معاً في هذا التوقيت على الاستمرار في العمل العسكري إلى آخره وعدم التراجع، وهو ما يفسر تصاعد النزعة العسكرية لدى وزراء الحكومة وعناصرها، والتي لم تعد تقتصر على وزيرين فقط، وإنما امتدت إلى وزراء آخرين، في إطار من المزايدات الكبرى على التصعيد. وبرزت النزعة العسكرية مؤخراً في كيفية الرد على الجانب الإيراني إلى جوار ما يجري في جنوب لبنان، والذهاب إلى عمل عسكري شامل لبناء قواعد تعامل جديدة، بعد الوصول إلى كامل الأهداف الموضوعة التي تعمل عليها إسرائيل، وتريد الانتهاء منها سريعاً.
لكن الحكومة الإسرائيلية تتعرض لضغوط كبرى، خاصة أن الترتيبات الأمنية المقبلة ستشمل قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، وغيرها في إطار بنك الأهداف الموضوع في الوقت الراهن، والذي سيتغيّر مع كل مرحلة يمكن للجيش الإسرائيلي التعامل معها، والبناء على معطياتها السياسية والاستراتيجية، ما يتضح في الوقت الراهن من التصعيد في لبنان، والذي سيمتد بطبيعة الحال إلى الجبهة السورية، وربما أيضاً الأردنية في إطار التعامل الإسرائيلي مع دول الجوار الإقليمي، وبما تمثله من مخاطر على الأمن القومي الإسرائيلي. وبدا واضحاً أن تجفيف منابع التهديدات أصبح هدفاً إسرائيلياً كبيراً وواضحاً ومهماً، وينبغي التعامل معه وفق رؤية إسرائيلية، وحسب ما يجري من تحركات راهنة على طول الجبهات التي تصنفها إسرائيل بالعدائية.
وبالتالي فإن اتفاق المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي في الوقت الراهن على ضرورة انتهاء المخاطر التي تواجه الدولة بعمل عسكري غير مسبوق، وباستخدام كل الوسائل والطرق المتاحة، والتي يعمل عليها الجيش الإسرائيلي ويصارع عنصر الوقت للوصول إليها، إلا أن الإشكالية الكبرى مرتبطة بالفعل بأن هذه الترتيبات الأمنية ستأخذ وقتا طويلاً ممتداً ربما سنوات قبل الوصول إلى هذا الأمر، وهو ما يؤكد أن إسرائيل لن تنجح كما يتوهم المستويان العسكري والسياسي، في القدرة على تحقيق المكاسب الاستراتيجية أو العسكرية بسهولة، ويصعب عليها الانتقال إلى الوضع الآمن بالكامل في ظل ما يجري، فهجمات الفصائل الفلسطينية، لن تنتهي في قطاع غزة أو الضفة، كما أن الميليشيات في العراق وسوريا واليمن أبعد من أن تلاحقها القوات الإسرائيلية على عكس ما يجري في الداخل الفلسطيني، أو الجنوب اللبناني.
يمكن التأكيد إذاً على أن إسرائيل ستعمل في مستواها العسكري والسياسي على توحيد رؤية المواجهات، حيث لم تعد هناك نزاعات حقيقية داخل الحكومة، بعد دخول الوزير جدعون ساغر، وتوافق كل مكونات الائتلاف على العمل الحزبي من دون مناكفات سياسية ضيقة، كما استمرت دعوات الرئيس هرتسوج إلى تبني مقاربة الحوار والمتوافقات الوطنية في هذا التوقيت التي تواجه فيه إسرائيل خطر البقاء كدولة في الإقليم، وبدأ الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مخططات استراتيجية محددة في عمق الجبهات المناوئة. وبالإضافة إلى ذلك تمضي توصيات وتقييمات أجهزة الاستخبارات تمضي في سياقها من دون أية تحفظات خاصة بعد تنفيذ سلسلة الاغتيالات الكبرى في «حزب الله»، ومن قبل في حركة «حماس»، وبعض العناصر الفلسطينية في الضفة، ما يؤكد أن إسرائيل ستمضي في اتجاهاتها دون أن تواجه أية إشكاليات محددة، بما في ذلك التنسيق مع الجانب الأميركي، في إطار غرفة القيادة المشتركة.
ويبدو أن تصعيد العمل العسكري إلى أقصى درجاته سيكون وارداً ومستمراً، ولم تتم مراجعته من قبل أي مستوى في إسرائيل، بعدما أصبحت القوة العسكرية هي الخيار الأول والأخير لمواجهة أية مخاطر على حاضر ومستقبل إسرائيل في الإقليم بأكمله.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية