أصبح مصطلح «مفاجأة أكتوبر» متداولاً وشائعاً منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمقصود به حدث يمكن أن يقع في الأسابيع التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية ويمكن أن يؤثّر على اختيارات الناخبين. ففي انتخابات عام 1980 التي جمعت الرئيس «الديمقراطي» المنتهية ولايته جيمي كارتر ومنافسه «الجمهوري» رونالد ريجان، على سبيل المثال، كان مصير كارتر مرهوناً بأزمة الرهائن الإيرانية التي لم تحل، وبمصير الدبلوماسيين الأميركيين الـ52 الذين كانوا محتجزين في طهران. والحال أنه لو كلّلت جهود كارتر في تأمين إطلاق سراحهم بالنجاح، لتحسنّت فرص إعادة انتخابه. لكن هذا لم يحدث. ويذهب أصحاب نظريات المؤامرة إلى أن حملة ريجان تدخلت لدى القادة الإيرانيين ووعدتهم بأنه إذا تم الإفراج عن الرهائن بعد وصول رونالد ريجان إلى البيت الأبيض، فإن الإدارة الجديدة ستخفّف العقوبات المفروضة على بلادهم.
واليوم، قد تعني «مفاجأة أكتوبر» أي شيء، أكان تقريراً جيداً أو سيئاً عن الاقتصاد، أو تصعيداً في الحربين الحاليتين في أوكرانيا والشرق الأوسط، أو فضيحةً جديدة تتعلق بأحد المرشحَين الرئاسيين أو كليهما، بما في ذلك العجز بسبب مشاكل صحية أو محاولات اغتيال.. إلخ. وفي هذا العام، تسبب إعصاران مروعان، في سبتمبر وأكتوبر، في تعطيل حياة ملايين الناخبين في جنوب شرق الولايات المتحدة. غير أنه من الصعب معرفة مدى تأثير هاتين المفاجأتين على سلوك الناخبين، لا سيما أن الشعبية المتزايدة للتصويت المبكر في معظم الولايات قد تعني أنه بحلول منتصف أكتوبر ربما يكون 40 في المئة من الأميركيين قد أدلوا بأصواتهم.
غير أنه ما زال هناك عدد من السيناريوهات التي يمكن أن تغيّر المشهدَ السياسي وتؤثّر على الناخبين «المترددين» القلائل والمهمين لاختيار ترامب أو هاريس في هذا الوقت المتأخر. وفي ما يلي 3 أحداث تستحق التأمل.
أولاً؛ هناك أمور أخذت تتكشف، خاصةً فيما يتعلق بدونالد ترامب، ومنها كتاب جديد للصحفي الشهير بوب وودورد، الذي فجّر فضيحة «ووترغيت»، سيصدر في منتصف أكتوبر الجاري. وتزعم مقتطفات من الكتاب تم الكشف عنها قبل النشر أنه في عام 2020، أي في ذروة جائحة «كوفيد 19»، أرسل الرئيس ترامب سراً اختبارات «كوفيد 19» جديدة إلى فلاديمير بوتين الذي كان متوتراً جداً بسبب المرض الجديد. ووفقاً لوودورد، فإن بوتين طلب من ترامب عدم الكشف عن هذه الهدية، وقال له إن ذلك لن يكون في مصلحة ترامب نفسه. ووفقاً للكتاب، فإن ترامب، وبعد أن ترك منصبه في يناير 2021، استمر في إجراء مكالمات هاتفية خاصة مع بوتين حتى بعد فترة طويلة من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ولهذا فمن المرجح أن يحتج «الديمقراطيون» بأن ترامب لطالما كانت تربطه ببوتين علاقة وثيقة تخدم المصالح الروسية وليس المصالح الأميركية.
والمفاجأة الثانية قد تكون تراجع الاقتصاد الأميركي. والواقع أن جهود الولايات المتحدة الرامية للحد من التضخم مع الحفاظ على نمو سوق الوظائف وسوق الأسهم حققت نجاحاً كبيراً حتى الآن، مما يفنّد مزاعم الجمهوريين بأن الاقتصاد بات في وضع كارثي وبأن أسعار المواد الغذائية والغاز أضحت أعلى مما كانت عليه في عهد إدارتهم السابقة. غير أن الاقتصاد الأميركي قد يعاني في حال وقع حدثٌ ثالثٌ في الأيام المقبلة، ونقصد بذلك تصعيد الحرب في الشرق الأوسط. ذلك أنه إذا حدثت هجماتٌ كبيرة على منشآت النفط ومراكز النقل في المنطقة، فإن أسعار الطاقة سترتفع، وأسواق الأسهم ستنخفض، وسيُحمَّل فريق بايدن وهاريس حينَها مسؤوليةَ السماح بحدوث ذلك.
إن أي تغييرات صغيرة في الأصوات، في سباق جد متقارب في الولايات المتأرجحة، يمكن أن تُحدث الفرق في فرص الفوز الذي يقتضي من المرشح الحصولَ على 270 صوتاً في المجمع الانتخابي من أجل الظفر بالبيت الأبيض. وإذا كانت استطلاعات الرأي الحالية تشير إلى أن هاريس قد تفوز بالتصويت الشعبي الذي يشمل جميع الولايات، فإن فوزاً لترامب بفارق طفيف قد يعني وجودَ معارضة غاضبة ومستاءة، مما سيمثّل بدايةً سيئةً للإدارة الجديدة. ومن جانبهم، يخشى الديمقراطيون أن يعمد ترامب، في ظل هذه الظروف، إلى استخدام إجراءات استبدادية لكبح الاحتجاجات وتهديد الديمقراطية الأميركية.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن