إذا كنت تريد أن ترى كيف يمكن للدول أن تنزلق إلى حروب لا نهاية لها، فإن الصراع الحالي بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني يمثّل مثالاً كلاسيكياً على ذلك. ومما لا شك فيه أن الجيش الإسرائيلي ألحق ضرراً كبيراً بـ «حزب الله»، غير أنه ليس هناك دليل على أن ذلك سيكون كافياً لوقف هجمات الحزب على شمال إسرائيل. وفي هذا السياق، كتب «معهد دراسات الحرب»، وهو مركز بحوث مقره واشنطن، أن «حزب الله» سيواصل على الأرجح شن هجمات صاروخية على شمال إسرائيل، رغم الحملة الجوية الإسرائيلية المتواصلة. وبالفعل، فيوم الأربعاء الماضي، أطلق الحزب صاروخاً باليستياً باتجاه تل أبيب، وتم اعتراضه، لكن الدفاع الجوي الإسرائيلي سيواجه صعوبة في التصدي لمزيد من الصواريخ في حال أطلق الحزب ترسانته الكاملة، التي تقدر بما بين 150 و200 ألف صاروخ وقذيفة. 
ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن السيناريو الأفضل هو أن تُقنع حملتُها الجوية «حزب الله» بإعلان وقف إطلاق النار، وبالتالي السماح لسكان شمال إسرائيل بالعودة إلى منازلهم. والحال أن الحملات الجوية وحدها نادراً ما تحقق الأهداف العسكرية لأي دولة. فدحر العدو بشكل حاسم يتطلب عملاً برياً.
وهذا الأسبوع ألمح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق هرتسي هاليفي، إلى أن التوغل البري قد يكون وشيكاً. واللافت هنا أن معظم الإسرائيليين يؤيدون الآن توغلاً برياً في لبنان، إن لزم الأمر، رغم أنهم يدركون المنحى السيئ الذي نحته مثل هذه الهجمات في الماضي. ففي عام 1982، ورداً على الهجمات التي كانت تشنها «منظمة التحرير الفلسطينية» انطلاقاً من جنوب لبنان، شنّت إسرائيل غزواً كبيراً أوصل قوات الجيش الإسرائيلي إلى أطراف بيروت. لكن الآمال الإسرائيلية في إقامة نظام صديق يهيمن عليه المسيحيون في لبنان سرعان ما تبدّدت. وعوضاً عن ذلك، أدى الغزو الإسرائيلي إلى ولادة «حزب الله»، الذي يُعد أحد أخطر الجماعات المسلحة في العالم. وأصبحت القوات الإسرائيلية، إلى جانب قوات حفظ السلام الأميركية والفرنسية، أهدافاً لانتحارييي الحزب ومقاتليه، حيث مثلت التفجيراتُ الانتحارية تكتيكاً كان «حزب الله» رائداً في تبنيه، قبل أن تتبناه «القاعدة» ومنظماتٌ أخرى لاحقاً. وأمضى الجيش الإسرائيلي قرابة عقدين من الزمن في احتلال منطقة أمنية في جنوب لبنان قبل أن يستسلم في النهاية وينسحب إلى في عام 2000. وبعد 6 أعوام، أدى هجوم لـ «حزب الله» عبر الحدود إلى عودة الجيش الإسرائيلي إلى لبنان. ودامت «حرب لبنان الثانية» 34 يوماً، وكلّفت إسرائيل 119 جندياً و43 مدنياً، بينما قُتل حوالي 1200 لبناني.. لكن الحرب أفضت إلى طريق مسدود. وفي وقت لاحق، انتقدت لجنة تحقيق إسرائيلية في خلاصاتها حكومةَ إيهود أولمرت والجيش الإسرائيلي بسبب إخفاقات خطيرة في «التقدير والمسؤولية والحذر».
وفي حال شن هجوم بري، سيجد الجيش الإسرائيلي على الأرجح خصماً أقوى مما كان عليه في عام 2006. ذلك أن لديه ما يقدر بنحو 40 ألفاً إلى 50 ألف مقاتل، والكثير منهم يتمتعون بخبرة قتالية اكتسبوها في سوريا. وعلاوة على ذلك، فإن «حزب الله» يمتلك الآن طائرات من دون طيار وصواريخ «ألماس» الموجهة المضادة للدبابات، والتي من المرجح أن تكون إيران قامت بتصنيعها انطلاقاً من صاروخ إسرائيلي استولت عليه في عام 2006.
ثم إن «حزب الله» أقوى بكثير من «حماس»، وعلى عكس «حماس»، فإنه لا يمكن عزله عن الدعم الخارجي بسهولة. ذلك أن لدى لبنان حدوداً طويلة مع سوريا، وساحلاً طويلاً، ومطاراً دولياً رئيسياً.. وكلها عوامل يمكن أن تستغلها إيران لإعادة إمداد الحزب. وعلى غرار «حماس»، أنشأ «حزب الله» شبكة أنفاق واسعة سيكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي تدميرها. وعلاوة على ذلك، فإن صواريخ «حزب الله» مخبأة تحت منازل المدنيين. وأي محاولة لاجتثاثها ستؤدي حتماً إلى سقوط كثير من الضحايا المدنيين مما سيزيد التنديد الدولي ضد إسرائيل.
صحيح أن «حزب الله» سيواجه صعوبة في ممارسة القيادة والسيطرة على قواته بعد الهجوم الإسرائيلي على أجهزة «البيجر» وأجهزة اللاسلكي الخاصة به، وبعد مقتل العديد من قادته وعلى رأسهم أمنيه العام حسن نصر الله، لكنه أنشأ شبكة هواتف أرضية مخصصة لمثل هذه الحالة الطارئة، ومقاتلوه مدرَّبون على عمليات الوحدات الصغيرة والمستقلة. وكما أظهروا في عام 2006، يستطيع مقاتلو «حزب الله»، أخذ زمام المبادرة والتحرك من دون أوامر من الأعلى، خلافاً للجيوش التقليدية. وإذا كانت إسرائيل تستطيع القضاء على كبار قادة «حزب الله»، فإنه بالإمكان دائماً استبدالهم. 
لذا، فإن إسرائيل قد لا تتمكن من وقف الهجمات على شمالها. ولا يبدو أن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين استراتيجية لمعالجة هذه المعضلة الاستراتيجية الشائكة.
ولعل الخروج من هذا الطريق لا يزال ممكناً إذا دفع نتنياهو باتجاه وقف إطلاق النار في غزة، كما يحث على ذلك قادة الجيش الإسرائيلي، وهو ما من شأنه أن يسمح لـ «حزب الله» بالتراجع على نحو يحفظ ماء الوجه. غير أن نتنياهو لا يبدي أي رغبة في إنهاء الحرب في غزة قريباً. ومن جانبه، لا يبدي زعيم «حماس»، يحيى السنوار، أي استعجال في إنهاء هذا الصراع الكارثي.
وفي غضون ذلك، يستفيد نتنياهو سياسياً من الحرب المتصاعدة ضد «حزب الله»، والتي تحظى بشعبية لدى الجمهور الإسرائيلي. لكن، وكما تعلمت العديد من الدول، بما فيها إسرائيل، فإنه من السهل بدء الحروب، لكن ليس من السهل إنهاؤها. وإذا تحولت العمليات العسكرية إلى مستنقعات، فإن شعبيتها سرعان ما تتبدد. واليوم، لا تواجه إسرائيل احتمال مستنقع واحد فقط، بل مستنقعين اثنين، في كل من غزة ولبنان. والأرجح أن تتم في نهاية المطاف استعادة الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، لكن بكلفة باهظة من المعاناة الإنسانية لكل الأطراف. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»