ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي والتنبئي، والتعلّم الآلي والتعلّم العميق والواقع الافتراضي والمعزّز، وإدارة وتحليل البيانات الكبرى، وتكنولوجيا الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتقنيات كثيرة أخرى تفوق هذه التقنيات ولم يتم الإعلان عنها بعد أو هي في طور التطوير، وما يرتبط بكل تلك التقنيات من اختراعات وما هو قادم من تطورات أمر يصعب تجاهله، ويصعب تجاهل التأثير الذي سيحدثه على الموارد البشرية العاملة في مختلف مجالات الحياة، ولا سيما ونحن نعيش اليوم في فترة من حياة البشرية تعتبر بمثابة قفزة ضوئية ملهمة فيما يتعلق بالارتباط الوثيق بين الإنسان وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وما يحدث في الفناء الخلفي لتلك التقنيات.
فكلما كانت المدخلات ذكية وقيّمة ودقيقة وغير متكررة، كانت منظومة الذكاء الاصطناعي أكثر تقدماً ونفعاً للبشرية وصولاً للوقت الذي لن تحتاج فيه الآلة للإنسان، وهو أمر سابق لأوانه، ولكنه قادم لا محالة، ومهما حاول البشر حوكمة هذه الثورة التقنية فالنتيجة الحتمية هي خروج تلك المنظومة خارج سيطرة البشر.
ولكل ما سبق لا أعتقد أنه يجب التركيز اليوم فقط على الشباب لبناء مستقبل أفضل للبشرية، بل يجب التركيز بالقدر ذاته على الخبرات والعقول الاستثنائية بغض النظر عن السن، سواءاً كان الشخص على رأس عمله أو متقاعداً، وإن كان في القطاع العام أم الخاص،ولا يجب أن يدير المؤسسات الأشخاص الذين لا يملكون المخيلة والذين يقدسون الطرق الروتينية.
المهن الحالية مقبلة على تغييرات غير مسبوقة خلال سنوات قليلة قادمة، وهو ما يتطلب مواكبة التعليم في كل مراحله وصولاً بالتعليم العالي والتأهيل والتدريب المهني بكل مستوياته إلى ثورة الذكاء الاصطناعي، وكل التقنيات التي تدور في ذلك الفلك، وأن تفهم القيادات التنفيذية أنه لا يمكن الحدث عن الذكاء الاصطناعي دون الحديث عن علماء ومحللي البيانات الكبرى وبحيرات البيانات والحوسبة السحابية، وأثر استخدام تكنولوجيا سلسلة الكتل الرقمية (البلوك شين) في صيرورة عمل مدمجة.
من جانب آخر، تعد الموارد البشرية غير الاعتيادية وذات المواهب والرؤى الخاصة أبرز الأسلحة في ترسانة التسليح الحديث للأمم، ولا يجب أن يكون هناك تقييم وقياس واحد مناسب للجميع، فكل موظف لديه مساحة عبقرية خاصة به سيساهم الذكاء الاصطناعي في تنميتها وبالتالي تقليل التعقيد غير الضروري في الممارسات، وأهمية وجود برامج بديلة لتأهيل الكوادر البشرية مقابل جلوسها في البيت وتحمل الدول مصاريف تلك الكوادر من غير مقابل إنتاجي.
وكيف لا توجد حلول في ظل ما يتوفر من حلول تقنية خارقة للعادة! وكيف يكون التخلي عن الموظف وعدم التوظيف لنقص المهارات اللازمة هو الحل؟! فمن يجعل الموظفين يجلسون في بيوتهم كحل لعدم عرقلة التقدم المطلوب، أشبه بمن يعيش خارج التاريخ.
إذاً هناك في بعض الأحيان خلل في استراتيجيات التخطيط للثروة البشرية، التي توضع من قبل المخططين وبينهم شباب وشابات تعلموا في أفضل جامعات العالم، ولديهم خبرات في أفضل المؤسسات ولكنهم في واقع الأمر يمثلون الديناصورات الوظيفية الحقيقية وبعيدين عن الحلول الذكية، وكل ما يهمهم من أية جامعة تخرج الموظف، وما هو معدله التراكمي في الجامعة، ويبرعون في شراء الحلول وليس إنتاجها!
وماذا عمن يملكون خبرات نادرة وطريقة تفكير خلّاقة؟ وتدربوا على البحث العلمي والاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة، ويستطيعون أن يجدوا حلاً لكل مشكلة، وقاموا بتطوير أنفسهم ذاتياً بعيداً عن التحصيل العلمي الرسمي، ولماذا الحلول الإقصائية من قبل من فشلوا في وضع الحلول العملية لتحديات الموظف المبدع الذي لم تعادل خبراته وإنجازاته وأبحاثه أكاديمياً؟ ومن يجب التخلص منهم لمحدودية الإبداع والابتكار في آلية تفكيرهم دون قياس مؤشرات الصالح العام على المدى البعيد، فالموظف أسرة ومجتمع.
والمورد الوطني قد يكون مادةً أو منتجاً أو أمراً معنوياً ولكن حتماً هو إنسان في المقام الأول، وهو الثروة الأعلى بين كل الموارد الوطنية.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات