مع استمرار التوتر بين لبنان وإسرائيل، يصبح حقل غاز «كاريش» مهدداً وعلى مرمى صواريخ «حزب الله» اللبناني. وهذا ما حدث صباح 30 سبتمبر الماضي، عندما أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي خبرَ «اعتراض طائرة مسيّرة كانت في طريقها إلى منصة الحفر»، واصفة ذلك بأنه «ردة فعل مرتقبة بعد اغتيال أمين عام الحزب حسن نصرالله وعدد من معاونيه»، لاسيما أن القيادة الجديدة للحزب اعتبرت أن «لا خطوط حمراء بعد الآن».
ولذا يتوقع المراقبون أن تتكرر هذه المحاولة، وربما تتعدى الصواريخ حقل «كاريش»، لتطال منصة حقل غاز «ليفانتين» الإسرائيلي الذي تشارك الولايات المتحدة في استثماره، مما يلحق الضررَ بالمصالح الإسرائيلية والأميركية معاً.
وهذا علماً بأن بعض المصادر شككت في أن يكون الهدف من إطلاق المسيّرة هو حقل الغاز، لأن ذلك يتطلب قراراً سياسياً عالي المستوى، لاسيما أنه تصرف ذو تأثير تصعيدي على الأحداث، وبالتالي فقد لا يكون الأمر محاولة يتيمة، وإن كان الأرجح أنه مجرد عملية استطلاعية بحرية لتعقّب الدفاعات الجوية الإسرائيلية. وهذه ليست المحاولة الأولى، فقد سبق لإسرائيل أن أعلنت في يوليو 2022 إسقاطَها ثلاث مسيّرات كانت متجهة نحو منصة حقل «كاريش»، وأكد الحزب حينذاك إطلاقَها للقيام بـ«مهام استطلاعية»، ضمن معادلة تقوم على التهديد بعدم السماح لإسرائيل باستخراج الغاز من المنطقة البحرية المتنازع عليها، قبل الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، والذي تم توقيعه في 27 أكتوبر من العام نفسه.
لكن المفارقة هي أن إسرائيل بدأت فعلاً باستخراج الغاز الطبيعي من حقل «كاريش» في فبراير 2023، أما لبنان فلم يتمكن من الاستفادة من حقل «قانا»، لأن النتائج الأولية لم تُظهر وجودَ مواد «هيدرو كربونية» داخل بئر استكشافي تم حفره من قبل شركة «توتال» الفرنسية. ثم حالت الحرب في أكتوبر 2023 دون القيام بمحاولة حفر بئر ثانية لأسباب أمنية. وقد حصل ذلك خلافاً للنتائج الإيجابية التي كانت منتظرة من اتفاق الترسيم الذي أشاد به الرئيس الأميركي جو بايدن ووصفه بأنه «اتفاق تاريخي، سيتيح تطوير مجالات الطاقة لصالح البلدين، ويمهد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً».
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكان حينذاك يائير لابيد، فقد وصفه بأنه «إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل، وسيضخ مليارات الدولارات في اقتصادها، وسيضمن أمن حدودها الشمالية». كما وصف الرئيس اللبناني الذي وقّع الاتفاق في حينه، وهو ميشال عون، بنود الوثيقة قائلاً إنها «مَرْضية». أما الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي قام بدور كبير لإنجاز الاتفاق، فوصفه بأنه «فاتحة استقرار أمني على الحدود».
ولوحظ حينذاك معارضة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو للاتفاق، وربما يكون ذلك دافعاً اليوم لوزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين للمطالبة بإلغائه، إذ اعتبر أنه كان «خطأ منذ البداية، ويتحتم إصلاحه»، علماً بأن إسرائيل تعد الخاسر الأكبر من إلغائه، خصوصاً أنها تعتمد على إمداداته لتأمين احتياجاتها من الغاز، بما في ذلك تشغيل محطات الكهرباء والمجمعات الصناعية الكبرى، إضافة إلى أنها ستخسر مصداقيتَها مع شركات الطاقة العالمية، لأن إلغاء الاتفاق سيعني إلغاءَ جميع الضمانات التي سمحت بتشغيل الحقل طوال العامين الماضيين.
وأخيراً تبقى الإشارة إلى أنه إذا كانت عملية الإلغاء (أو التعديل) تتطلب موافقة الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، فهي تتطلب في الوقت نفسه موافقةَ واشنطن التي قامت بدور «الرعاية» ثم بدور «الوصاية» على الخطوات التنفيذية، وهي مستمرة في هذا الدور وفقاً للبنود الواردة في الاتفاق، ولعل أهمها أن «تكون الولايات المتحدة المرجع في تسيير المناقشات بينهما لحل أي خلافات بشأن تفسير نص الاتفاق».
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية