يتزامن تصعيد الحرب في الشرق الأوسط مع انعقاد الاجتماع التاسع والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بحضور العديد من زعماء العالم. هذا الاجتماع السنوي تستضيفه الولايات المتحدة، التي توجد في خضم انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام وجد محتدمة ومتقاربة لدرجة يصعب معها التكهن بمن سيفوز فيها. 
فهل سيؤدي القتال في لبنان وغزة إلى تغيير ديناميات السباق بين كمالا هاريس ودونالد ترامب؟ الرئيس جو بايدن وهاريس أمضيا قرابةَ عام كامل في السعي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وعودة الرهائن الإسرائيليين الذين اختطفتهم حركة «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وزيادة المساعدات - وخاصة الغذاء والدواء - لسكان غزة الذين تكبدوا ويلات الحرب. 
لكن من المهم بالقدر نفسه الجهود التي تبذلها إدارة بايدن لتجنب توسع الصراع في المنطقة، وهو ما قد يَحدث إذا وصلت الأزمة اللبنانية إلى نقطة حرجة. فإذا نجحت هذه الجهود، فإن ذلك سيساعد هاريس في حملتها الانتخابية. لكن ما هي العواقب التي ستواجهها هاريس مع الرأي العام الأميركي في حال تدهور الوضع؟ وكيف ستكون فرصها الانتخابية؟
الواقع أن الكثيرَ سيتوقف على الظروف الدقيقة التي قد تؤدي إلى تدخل مباشر للولايات المتحدة في الحرب. فإيران ليست لديها شعبية لدى غالبية الأميركيين. ذلك أنه في عام 1982، نشرت الولايات المتحدة قوات المارينز في لبنان لتسهيل إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من بيروت، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في يونيو من ذلك العام. وحينما غادرت منظمة التحرير إلى تونس، أعادت الولايات المتحدة قوات المارينز إلى الأسطول السادس الأميركي في البحر الأبيض المتوسط. لكن في 14 سبتمبر، قُتل الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل و23 سياسياً آخرون في تفجير في بيروت. وفي رد فعل وحشي على ذلك، ارتكب أعضاء إحدى الميليشيات المسيحية الموالية للجميل مذبحةً استمرت 3 أيام ضد الفلسطينيين واللبنانيين الشيعة في مخيمي صبرا وشاتيلا في ضواحي بيروت. مذبحة قُتل فيها ما بين 1300 و3500 شخص، وشاهد العالَمُ صورَها المروعة. وقتئذ، كانت القوات الإسرائيلية أيضاً في الجوار تحت قيادة أرييل شارون رغم أنها لم تتورط، كما أعلنت، في عمليات القتل بشكل مباشر.
صدمة هذا الحدث حدَت بالولايات المتحدة إلى إعادة قوات المارينز إلى بيروت من أجل توفير مظهر من مظاهر الاستقرار لبلد تعصف به الخصومات والفوضى. لكن في 18 أبريل 1983، تم تفجير السفارة الأميركية في بيروت، ما أسفر عن مقتل 63 شخصاً من بينهم 17 أميركيا. وبعد 6 أشهر على ذلك الحدث، قُتل 241 جندياً أميركياً، معظمهم من مشاة البحرية، عندما تعرضت ثكنتُهم في مطار بيروت للتفجير بوساطة شاحنة مفخخة. هجوم تبين لاحقاً أن فصيلاً شيعياً مسلحاً جديداً يسمي نفسَه «حزب الله» هو المسؤول عنه. وما زالت لدى الأميركيين ذكريات مرة عن تلك الفترة. وسرعان ما اتضح أن «حزب الله» يتلقى التمويل والمشورة من الخارج، وذلك بعد وقت قصير على انتهاء عملية احتجاز 52 دبلوماسياً أميركياً رهائن في إيران لمدة 15 شهراً بداية من عام 1979. 
لذا يمكن القول بكل تأكيد إنه إذا ما تعرضت القوات الأميركية لهجوم مباشر من قبل «حزب الله» أو إيران، فإن الرد العسكري سيكون حتمياً، وطالما لم تحدث خسائر أميركية كبيرة، فإن إدارة بايدن / هاريس ستلقى الكثير من الدعم. في هذه الحالة، قد تتهم حملة ترامب الإدارةَ الأميركية بأن ردها كان محدوداً جداً، وستقول إن الضعف الأميركي هو الذي سمح بتفاقم الأزمات في المنطقة! وهي مقولة قد تَلقى صدًى لدى بعض الناخبين، لكن التاريخ يشير إلى أن الجمهور يميل إلى الالتفاف حول الرئيس في أوقات الأزمات العسكرية.
بيد أن التهديد السياسي الأخطر بالنسبة لهاريس يكمن في حدوث مزيد من الكوارث في غزة وزيادة استياء العرب الأميركيين الذين قد يرفضون التصويت لها في الولايات المتأرجحة الحاسمة وخاصة ميشيغن. والواقع أنه ما من دليل على أن هؤلاء الناخبين سيدعمون ترامب الذي يُعد أكثرَ معاداة للجالية من أي «ديمقراطي»، غير أنه في سباق متقارب، قد تكون أي خسارة في الأصوات ضربة قوية للمرشح تحول دون فوزه بالولاية ومعها البيت الأبيض.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن