في مجالات مثل المناخ والطاقة والاستدامة نحتاج دائماً إلى أن ننظر إلى الأمام ونخطط للمستقبل، بدلاً من أن نعلق في الأمس. ومع ذلك، أحياناً يساعدنا التأمل في الماضي على رسم خريطة طريق لما يجب فعله.

على سبيل المثال، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، عندما كانت أنظار العالم مسلطة على الإمارات، كان هناك قدر كبير من الترقب لقدرة الدولة على تحقيق الإجماع الدولي، بصفتها البلد المضيف لمؤتمر الأطراف 28، وبالتالي توحيد العالم وحشد الجهود حول أجندة عالمية للعمل المناخي. واليوم، تتم الإشارة إلى اتفاق الإمارات التاريخي، جنباً إلى جنب مع «اتفاق باريس للمناخ» كمثالين رائدين على الإنجازات النوعية التي يمكن للدبلوماسية المناخية الملتزمة والتشاركية أن تحققه في مجال العمل المناخي. ورغم أن مقررات مؤتمرَي الأطراف 21 و28 أصبحت معروفة للجميع، إلا أن ما يغيب عن الأذهان في كثير من الأحيان هو أن الشراكات وعلاقات التعاون كانت الركائز الأساسية لنجاح إقرارها. وهذه الاتفاقيات المهمة تذكرنا أيضاً بأن العمل المناخي يجب أن يكون في جوهره جهداً جماعياً. فالأزمة المناخية تؤثر على الجميع من المجتمعات والاقتصادات، وإن بطرق متفاوتة. إنّ الوفاء بالتعهدات المناخية العالمية التي وقعتها الدول في باريس عام 2015، وفي دبي عام 2023، يتطلب من كل جهة، سواء كانت حكومية أو مجتمعية، أن تتعاون وتولي العمل المناخي الأولوية من أجل تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية.

وتعتبر المساهمات المحددة وطنياً أساساً لإحداث التغيير المطلوب في مواجهة التغير المناخي. فهذه المساهمات، التي تمثل التزامات كل دولة لخفض الانبعاثات الوطنية، هي عامل رئيسي لتحقيق تأثير حقيقي في المجتمع، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، أو حتى الفردي. ومع اقتراب موعد تقديم الدول لجولتها الثالثة من المساهمات المحددة وطنياً في عام 2025، نواجه سؤالاً حاسماً مفاده هو كيف نضمن أن تتحوّل الأهداف إلى نتائج ملموسة وواقعية؟

من المعروف أن الدول، وخصوصاً الاقتصادات النامية، تواجه تحديات كبيرة وفريدة في تحقيق التزاماتها. ويعود الكثير من هذه العقبات إلى ثلاثة عوامل أساسية: هيكلية التمويل المناخي العالمي، القدرات المحلية لتنفيذ المشاريع، والدعم الدولي للمجتمعات التي تأتي في مقدمة الدول التي تعاني من أزمة المناخ. أولاً، لا تزال فجوة التمويل عقبة هائلة. فالتمويل المناخي لمشاريع مواجهة التغير المناخي والتكيف معه لا يزال أقل من المطلوب. وتجد الاقتصادات النامية صعوبة في الوصول إلى الموارد اللازمة لتنفيذ مساهماتها المحددة وطنياً. بالتالي، ومن دون التمكين المالي المركّز، سيبقى تحقيق العديد من الطموحات بعيد المنال.

ثانياً، هناك التحدي المتمثل في تمكين الجهات المحلية. ففي الوقت الذي تحدد فيه الحكومات الوطنية الأهداف، تكون الحكومات الإقليمية والمحلية في أغلب الأوقات مسؤولة عن تنفيذها وتطبيقها. وعلى الرغم من ذلك، تفتقر العديد من الدول إلى الآليات اللازمة لإشراك هذه الجهات الفاعلة في عمل مناخي واضح الأهداف والرؤية. وفي ظل غياب تواصل فعال بين الالتزامات الوطنية وتنفيذها محلياً، سيظل تحقيق التقدم متعثّراً.

وانطلاقاً من وجود فرصة حقيقية لإحداث أثر سريع وملموس من خلال المساهمات المحددة وطنياً، تم خلال مؤتمر الأطراف إنشاء تحالف الشراكات متعددة المستويات للعمل المناخي الطموح، للمساعدة في تحديد وإعداد أهداف وطنية، بالتعاون الوثيق مع الحكومات المحلية، من أجل سدّ فجوة الانبعاثات. واليوم، هناك ما نسبته 27 في المائة فقط من التعهدات الوطنية التي تقدم، تحت مظلة اتفاق باريس، محتوى قوياً ينعكس إيجاباً على المجتمعات الحضرية بحسب برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، لكن المدن والولايات والأقاليم والدول اليوم مستعدة لاتخاذ الإجراءات والتدابير الميدانية اللازمة. وفي ظل وجود الدعم والشراكات المناسبة، بإمكان الجهات الفاعلة المحلية أن تعمل في الوقت نفسه على خفض ما يصل إلى 90 في المائة من انبعاثاتها، وأن توفر أيضاً فرص عمل عالية الجودة وتؤمن ازدهاراً طويل الأمد. ففي دولة الإمارات، مثلاً، تتواصل الحكومة الاتحادية باستمرار مع الجهات المحلية المعنية وأصحاب المصلحة من القطاع الخاص من أجل تعزيز المشاركة والمساهمات في جهود الدولة لتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2050، وذلك عن طريق «مبادرة الحوار الوطني حول الطموح المناخي» التي أطلقتها وزارة التغير المناخي والبيئة.

وثالثاً، يجب أن نتعامل مع الاحتياجات والأولويات المحددة الخاصة بالاقتصادات النامية وأن نعالجها. فالمجتمعات التي تقع على خطوط المواجهة الأمامية بالنسبة إلى مسألة التغير المناخي، وفي الوقت الذي تتحمّل فيه الثقل الأكبر من الأزمة، غالباً ما تعاني من أنّها الأقل قدرة على الاستجابة.

ومن هنا، فإنّ الدعم الذي يأتي عبر بناء القدرات وتبادل المعرفة ونقل التكنولوجيا له أهميّة لا تقدّر بثمن من حيث مساعدة تلك الدول على التخفيف من تداعيات التغير المناخي، والتكيف مع الارتفاع السريع في درجة حرارة الكوكب. وهنا تحديداً يكمن دور الشراكات التي تقوم بدور حيوي، وهو مجال تتصدّر فيه دولة الإمارات مرة أخرى. وقد أعلنت دولة الإمارات، مؤخراً، عن شراكة استراتيجية مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، لدعم الدول النامية في سعيها لتعزيز مساهماتها المحددة وطنياً عن طريق الشراكات - وهي مبادرة تعكس ريادتها في تعزيز العمل المناخي العالمي، وتمكّن الدول من الوصول إلى موارد المعرفة التقنية والمالية من أجل بناء القدرات المحلية وتسريع العمل المناخي، عبر وضع أهداف وطنية محددة.

ستمدّ الشراكة بين دولة الإمارات والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، والتي جرى الإعلان عنها خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، يد المساعدة إلى 20 اقتصاداً نامياً لتعزيز التزاماتها المناخية وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة. ومن خلال شراكة دولة الإمارات مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تتوسّع ريادتها إلى خارج حدودها، بالمساعدة في تسهيل نقل المعرفة والموارد والتقنيات إلى الدول الأكثر حاجة إليها.

وتساعد دولة الإمارات، من خلال تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تحت مظلّة شراكة المساهمات المحددة وطنياً، في بناء القدرات في الدول النامية، مع تحضيرها لدمج أهداف الطاقة المتجددة في مساهماتها المحددة وطنياً، وإرساء الأرضية الملائمة لتأمين انتقال منصف وشامل في مجال الطاقة.

جهودنا مستمرة؛ فالطريق إلى تحقيق مستقبل إيجابي مناخياً لن يكون بسيطاً، حيث سيتطلّب مضاعفة التعاون وتوفير إرادة ثابتة مع بذل جهود مستدامة في مختلف قطاعات المجتمعات. وقد حان الوقت لانضمام كل الدول والحكومات والمنظمات إلى العمل المناخي العالمي، فدولة الإمارات أرست الأسس والأرضية الملائمة، والآن أصبحت المسؤولية علينا جميعاً للبناء على تلك الأرضية والتعاون معاً.

*المندوب الدائم لدولة الإمارات في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»