منذ أن اندلعت شرارة الحرب في السودان، لم تتوانَ دولة الإمارات يوماً عن أداء دورها الإنساني، ولم تضع حسابات المصالح فوق أولويات الشعب السوداني الشقيق، ولم تستثمر في أوجاعه كما فعل غيرها، بل كانت حاضرة في كل مبادرة صادقة، وفي كل تحرك يسعى لإطفاء نيران حرب لا طائل منها سوى المزيد من الانهيار. ومع ذلك، لم تسلم الإمارات من سلسلة متواصلة من الاتهامات الزائفة التي تهدف إلى تشويه صورتها، دون سند قانوني أو أخلاقي. وما يدعو إلى الأسف، أن هذه الاتهامات تصدر من جهة يفترض أنها تتحمل المسؤولية الوطنية عن حماية شعبها، لكنها اختارت التهرّب من الفشل الداخلي، وتصدير الأزمة نحو الخارج.
وهنا تحديداً، تظهر معادلة غريبة: كلما ضاق الخناق العسكري والسياسي على القوات المسلحة السودانية، لجأت إلى خطاب التشويش والإنكار، وتحميل الغير مسؤولية ما صنعت أيديها. الإمارات لم تكن يوماً طرفاً في هذا النزاع، لكنها كانت ولا تزال طرفاً في كل محاولة لوقفه. لم تدعم ميليشيا، ولم تمول انقلاباً، بل دعمت منذ البداية المسار المدني السلمي، وآمنت بأن السودان لا يستحق هذه الحرب، بل يستحق سلاماً يحفظ كرامته، ووحدة تنقذه من أن يتحول إلى نموذج آخر لدولة فاشلة، تسكنها الفوضى، ويتنازعها التطرف.
ومن زاوية أخلاقية، يكفي أن نقرأ شهادات السودانيين المقيمين في الإمارات، والذين يعيشون بين أهلهم في وطنٍ ثانٍ احتضنهم بحب، لنفهم أن العلاقات بين الشعبين لم تُبنَ على الصفقات، بل على الثقة والاحترام. فمن المؤسف أن تُكافأ دولة بهذه المواقف باتهامات فارغة، لا هدف لها سوى تشتيت الانتباه عن الإخفاقات المتراكمة في الداخل السوداني. الذهاب إلى محكمة العدل الدولية، رغم ما يحمله من طابع قانوني، لا يُخفي حقيقة أن من يتهرب من الحوار السياسي، ويرفض وقف إطلاق النار، هو من اختار الحرب، وهو من يتحمل مسؤوليتها.
أما الإمارات، فهي تتعامل مع هذه الاتهامات بوعي ومسؤولية، وتفهم أن وراءها مشروع تشويش ممنهجاً، لا يستهدفها فقط، بل يستهدف كل جهد دولي يريد أن ينهي هذه الحرب الكارثية. ومنذ بداية الأزمة، كانت الإمارات حاضرة في كل مسار خيّر: من جدة إلى المنامة إلى جنيف، تؤكد دائماً أن الحل ليس عسكرياً، بل سياسي، وأن الطريق إلى استقرار السودان لا يمر عبر فوهة البندقية، بل عبر طاولة الحوار، وبمشاركة كل الأطراف، وبما يعكس إرادة الشعب السوداني، لا حسابات الضباط.
ما يجري اليوم، ليس خلافاً بين دولتين، بل هو اختبار أخلاقي للعالم: هل سيقف مع من يزرع الفتنة ويُمعن في الكذب؟ أم مع من يمد يده للمساعدة، ويصر على أن الطريق إلى السلام لا يُبنى على الأوهام والادعاءات، بل على المصارحة والاعتراف بالخطأ؟ الإمارات ليست بحاجة إلى تبرير موقفها، فالميدان يشهد، والتاريخ يسجل، والمستقبل كفيل بفضح كل محاولة لتزييف الواقع. وما كان يوماً دعم الشعوب خطيئة، وما كان السعي إلى السلام جريمة، إلا في عيون أولئك الذين لا يريدون للأمل أن يولد.
*لواء ركن طيار متقاعد