بعد تباطؤ ملحوظ خلال السنة المالية 2023–2024، التي انتهت في يونيو الماضي، يتوقع البنك المركزي المصري أن يتعافى الاقتصاد تدريجاً، وذلك اعتباراً من السنة المالية 2024-2025. وأشار البك إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي، تباطأ إلى مستوى 2.2 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنةً بنحو 2.3 في المئة خلال الربع الرابع من العام الماضي. وأعاد السببَ إلى انخفاض مساهمة القطاع العام في النشاط الاقتصادي نتيجة تأثير أزمة الملاحة في البحر الأحمر وتداعيات حرب غزة على قطاع الخدمات.
حتى إن ارتفاع النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، لم يكن كافياً لتعويض ذلك التراجع، لكن المؤشرات الأولية للربع الثاني (أبريل- يونيو) تفيد بأن نمو الناتج المحلي بدأ في الارتفاع مجدداً.
وعلى الرغم من تراجع توقعات صندوق النقد الدولي حول نمو الاقتصاد المصري إلى 4.1 في المئة خلال السنة المالية الحالية، فإن هذه التوقعات تقترب من مستهدفات الحكومة بتحقيق معدل نمو يصل إلى 4.2 في المئة، على أن يرتفع تدريجاً، وصولاً إلى 6.5 في المئة بحلول عام 2030. أما أسباب تراجع توقعات الصندوق، فتعود إلى عوامل عديدة أبرزها خارجية، ومنها: استمرار التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك وتيرة التشديد.. مما يؤثر على التباطؤ الاقتصادي. وهناك أسباب داخلية، أهمها اتباع الحكومة سياسة مالية تقشفية، وسياسة نقدية متشددة للسيطرة على عجز الموازنة والتضخم الذي بلغ 27.5 في المئة. ولا شك في أن «القوة الاقتصادية» لمصر، المصنفة في الفئة «إي 3» وفق وكالة «موديز» الدولية، تعكس اقتصادها الكبير والمتنوع مع نمو قوي مشروط بالاستمرار في تنفيذ إصلاحات بيئة الأعمال لتحفيز الاستثمار والتصدير من القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
وهذا مع الإشارة إلى أن صفقة «رأس الحكمة»، والبالغة 35 مليار دولار (نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، قدّمت «دعماً ائتمانياً مهماً»، ورفعت احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى مستويات قياسية بلغت 46.12 مليار دولار، ودعمت الموازنة العامة بمبلغ 10.6 مليار دولار، مما ساهم في تحقيق أكبر فائض أولي في تاريخها بلغ 17.1 مليار دولار، مع تراجع العجز الكلي إلى 10.4 مليار دولار، وذلك بنسبة 3.57 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.ووفق البيانات الرسمية، تحوّل عجز صافي الأصول الأجنبية في بنوك مصر إلى فائض بلغ 14.3 مليار دولار في مايو الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ 28 شهراً، بعد أن تفاقم إجمالي العجز إلى نحو 28 مليار دولار في شهر يناير.
وفي ظل هذه التطورات، عادت الاستثمارات الأجنبية أو ما يعرف بـ«الأموال الساخنة»، إلى التدفق على مصر من جديد، مستفيدةً من انخفاض قيمة صرف الجنيه المصري، وارتفاع سعر فائدة أذون وسندات الخزينة إلى 28 في المئة، وهي الأعلى في العالم، حتى بلغت حصة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي نحو 32.7 مليار دولار. ومع تواصل الاقتراض لتمويل عجز الموازنة ودفع أقساط الديون الخارجية، يتوقع أن يرتفع حجم هذه الاستثمارات إلى 50 مليار دولار بنهاية العام الحالي.
لكن هذه الأموال تدخل بسرعة وتخرج بسرعة، مستهدفةً الربح السريع، وربما تكمن في خروجها السريع والمفاجئ مخاطر قد تؤثر على سعر الصرف واحتياطيات النقد الأجنبي، وهو أمر سبق أن حدث في عام 2022 عندما خرجت من مصر دفعة واحدة بنحو 20 مليار دولار. ولذا يحذر الخبراء من مخاطرها، وينصحون بعدم الاعتماد عليها في تمويل التنمية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، لاسيما في مجال تشجيع الاستثمار المباشر.. لكنها تظل بصورة أو بأخرى مؤشراً يعكس الإيجابية في الاقتصاد المصري.
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية