أمنُ الأسرة وصيانتها، وحماية الأبناء ورعايتهم، ونموهم في جو نقي طاهر، أثمن آلاف المرات من كسب مالي، أو زيادة في الموارد، مع إدراكنا أهمية التنمية وحل المشاكل والصعاب الاقتصادية، لأن الهدف الأساسي هو الإنسان.. الإنسان الأمانة.. الإنسان الثروة..

الإنسان الذي كرمه الله سبحانه. الإنسان الغاية والوسيلة في آن، وأي انفصال بينهما، النتيجة لن تكون لمصلحته، بل الانفصام هنا هو الحكم. لقد سخر المولى سبحانه الكون كله لهذا الذي أكرمه وصوّره، حتى لا يكون سُخْرة للكون، بل سيداً مطاعاً لتلبية مطالبه. وقيمة الإنسان الحقيقية في عقيدته، وإلا كان هملاً أو عدماً وإن لم يُعدم.

لقد حمّله الله الأمانة في المعتقد، وإن «كان ظلوماً جهولاً»، بعد اعتذار السماوات والأرض والجبال عن حملها «فحملها» الإنسان، «لأن بعدله يذوب الظلم، وبعلمه يزول الجهل». وهذا ليس حكراً على المسلم ولا حصراً عليه، لأن النص القرآني لم يصنف الإنسان وفقاً لمعتقده أو دينه.

من هنا نؤكد أن عقيدة الإنسان- أي إنسان- أمر جوهري في حياته، وتحضرني قصة احتضار الفيلسوف جان بول سارتر، فعندما شعر باقتراب منيته قال:«أحضري لي قسيساً». أصيبت صديقته الأديبة سيمون دي بوفوار بصدمة وقالت: «إن تصرفك هذا يدمر فلسفتك كلها، لأن سارتر كان لا يؤمن بالله، ولا بأي دين طوال حياته، لكنه أصر قائلاً: وليكن هذا القسيس من الريف، وليس من العاصمة باريس». وتم له ما أراد. ثم يتم معالجة «جهولاً» بالعلم النافع في المجالات المختلفة كافة، ولهذا العلم ضوابط مهمة حتى لا ينحرف الإنسان عن المسار الصحيح والهدف النبيل، يقول الإمام الشّافعي: العِلم ثلاثة أشبار، فمن دخلَ في الشّبر الأوّل تكبّر، ومَن دخلَ في الشّبر الثّاني تواضع، ومَن دخلَ في الشّبر الثالِث عَلِمَ أنّه لا يَعلَم.. وكُلَّما ازددتُّ عِلماً، ازددتُّ عِلماً بـ جَهلي. ويوافق إلبرت آينشتاين على ذلك النهج عندما أكد أنه: «كلما زادت المعرفة نقص الغرور.. كلما قلت المعرفة زاد الغرور».

وتقول المستشرقة البلغارية «مايا تسينوفا»: بعد دراستي اللغة العربية، اكتشفت أنه قد أصبح لفمي عقل. ماذا يحدث إذا خرج هذا العلم عن أداء دوره الحضاري، يقول آينشتاين: «العلم يبيع نفسه لمصلح ةالحرب، والأدب يبيع نفسه لحساب السياسة».

العلم والمعرفة طريق النجاة، فعندما قال أحد حكماء الصين «إذا عرفت عدوك، وعرفت نفسك، فليس هناك ما يدعو لأن تخاف من خوض مائة معركة، وإذا عرفت نفسك، ولم تعرف عدوك فإنك سوف تقاسي من هزيمة مقابل كل انتصار، أما إذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عدوك، فإنك ستواجه الهزيمة في كل معركة». وفي عصرنا يقول أحد كبار قادة الحرب في الغرب: «إن الذي لا يصنع السلاح لا يستطيع أن يضمن نتيجة الحرب، أو أية معركة يخوضها».

من حكيم في الصين، إلى حكيم آخر من مصر المحروسة وأم الدنيا، سئل توفيق الحكيم عما يتمناه لابنه أن يكون طبيباً.. أم مهندساً أم عالم ذرة أم شيئاً آخر؟ فقال: لو كان لي ولد، لكان همي الأول أن يتربى على آداب الرسول، صلى الله عليه وسلم.. ويتمثل حياته في السلوك في العبادة في العمل في الحرب والسلم وفي حياته الأسرية والاجتماعية، فإذا نجحت في هذه المهمة فإن على ابني بعد ذلك أن يختار أي مهنة يريدها. وفي إحدى المقابلات سئل الحكيم عن أفضل كتاب أصدره قال: كتاب «محمد».

*كاتب إماراتي