في دول عربية عدة حاولت النخب السياسية الحاكمة تعليق العمل بنظام التعددية الحزبية وانتهاج أسلوب الحزب الواحد في إدارة شؤون الدولة والمجتمع.

ويمكن القول بأن نظام حكم الضباط الأحرار في مصر هو الذي أدخل هذه التجربة من خلال الاتحاد الاشتراكي العربي، ثم طبق بعد ذلك في عدد من الدول العربية الأخرى. وحاولت النخب السياسية المعنية إثبات أن النظم التي أقامتها أفضل وأكثر ملائمة للدول التي تحكمها، وبأنها تتفوق على النظم متعددة الأحزاب التي كانت قائمة من قبل، والموروثة عن الدول الاستعمارية الغربية خاصة بريطانيا وفرنسا، وحجتهم في ذلك أن نظام الحزب الواحد يبعد البلاد عن شبح الحروب السياسية التي تنشب وتدور بين الأحزاب المتعددة، ويمكن لها أن تشكل مخاطر على مستقبل الدولة والمجتمع.

ويضيف مؤيدو هذا النمط من الحزبية الأحادية في العالم العربي، بأنه في المجتمع العربي المسلم الجمعي الحزب الواحد الذي يضم ممثلين لمختلف الجماعات، ويشجع الحوار والنقاش ضمن أروقته ولجانه هو أكثر قدرة على إدارة السلطة السياسية، فهو يمثل أطياف المجتمع كافة. لكن هذا القول لا يمكن الأخذ به على إطلاقه في المجتمعات العربية تقليدية الطابع وتتكون من قبائل وعشائر وطوائف عدة، فمثل هذا الأمر صعب التحقق إلا ما ندر.

والأحزاب من هذا النوع التوافقي الكامل نادرة الوجود في الدول العربية، وجل الموجود منها إما شمولية أو أيديولوجية أو شعبوية أو قبلية أو طائفية أو هي خليط من عدد من هذه الأصناف. عدد من الأحزاب الأحادية التي ظهرت في العالم العربي - الاتحاد الاشتراكي العربي في مصر والسودان، وحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق والحزب الوطني الديمقراطي في مصر، وحزب المؤتمر الوطني في السودان، لم تكن أيديولوجية أو شمولية خالصة المعنى الغربي لمفهوم الشمولية أو الأيديولوجية لأن ما قامت عليه ذاته غير واضح كأيديولوجية.

وبالإضافة إلى ذلك العديد من الدول العربية لم تتواجد فيها صراعات واضحة بين فئات المجتمع تحمل في طياتها العداء التاريخي المستحكم بقدر ما هي مجرد خلافات في فترات معينة تدور حول مصالح آنية محورها حيازة السلطة والثروة في المجتمع، بمعنى أن الخلافات لم تشكل أمراً سياسياً خطيراً يهدد بتقسيم الدولة والمجتمع. وما نراه هو أن الصراع السياسي والفكري والأيديولوجي في العالم العربي يدور حول مشكلة أساسية هي مشكلة التنمية وحاجة هذه الدول إلى مخارج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالحاجة إلى وضع نهاية للتخلف وخلق بنية اقتصادية متقدمة، وجنى الفوائد من النتائج العالمية للتقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي القائم في عالم اليوم.

والقضية السياسية والفكرية والأيديولوجية تتعلق بقدرة النظم الاجتماعية العربية على حل المشاكل الشائكة، ومساعدة الشعوب العربية على الخروج من دوائر التخلف المزمن وتجارب الفقر والجهل التي تعاني منها. وإذا كان السؤال متعلقاً باختيار مسارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فإن التحديات التي تواجه بعض الدول العربية على هذا الصعيد ناتجة عن ماضي معظمها الاستعماري وعن حجم الفساد الإداري والمالي والسياسي والاقتصادي الذي ألم بها في مراحل ما بعد الاستقلال، وعن دخول عدد منها في حروب داخلية أو خارجية وما يصاحب ذلك من عدم استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي، وهذه أمور متجذرة في البنى الأساسية للمجتمعات العربية المعنية، حيث الرواسب والشوائب القبلية والطائفية لا زالت قائمة. نخلص من ذلك إلى أن أي من الطروحات المتعلقة بالحزبية والأحزاب وإدخال الديمقراطية على الأنماط الغربية الصرفة ليست مناسبة، ومن الضروري الابتعاد عن سيادة الأغلبية واللعبة الصفرية، وإزالة العديد من المصطلحات والأفكار الغربية في مجتمع عربي إسلامي جمعي.

*كاتب إماراتي