مثّل الهجومُ الذي نفذته حركة «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 خبراً ساراً للعديد من الأوساط في إيران. وبين عشية وضحاها، تغيّرت الديناميات الاستراتيجية في المنطقة، حيث عادت معاناة الفلسطينيين مرةً أخرى إلى الواجهة بعد أن تراجعت على مدى سنوات إلى دور ثانوي في السياسة الإقليمية. وكان الخبر الكبير قبل السابع من أكتوبر هو الآمال في أن يكون هناك اتفاقٌ تاريخي بين إسرائيل ودول رئيسية في المنطقة والولايات المتحدة قد بات قريب المنال، حيث كانت الولايات المتحدة والسعودية ستوقّعان اتفاقية أمنية من شأنها أن تعزز العلاقات الوثيقة أصلاً بين البلدين. وبالتوازي مع ذلك، كانت إسرائيل وهذه الدول ستتجه نحو الاعتراف الدبلوماسي المتبادل وكانت إسرائيل ستقبل بضرورة «حل الدولتين» كمدخل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
غير أنه بمجرد أن اتضح نطاق الرد الإسرائيلي على عملية «حماس»، وأثره على سكان قطاع غزة، ازداد التعاطف مع الفلسطينيين وتعالت الانتقادات العالمية لإسرائيل، وشمل ذلك تنظيم احتجاجات في بعض الجامعات الأميركية المرموقة. كما أدى انخراط إيران في الأزمة إلى جعلها لاعباً في الصراعات الإقليمية الحالية من خلال حلفائها في عدد من بلدان المنطقة. وقد أدى احتمال اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط إلى عمليات إخلاء جماعي لبلدات وقرى في شمال إسرائيل، وهو ما يزيد من التكاليف الباهظة للصراع على الاقتصاد الإسرائيلي.
وعلى الساحة الدولية الأوسع، أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا، وخاصة مبيعات الأسلحة. إذ تقوم إيران بتزويد روسيا بآلاف الطائرات المسيّرة رخيصة الثمن، وهو ما يعني أن روسيا ستصبح قادرة وراغبة في نهاية المطاف في تزويد إيران بالتحديثات التي تحتاجها بشدة لقدراتها الدفاعية الجوية التي ما زالت تعتمد على المعدات الأميركية التي اشتراها شاه إيران في سبعينيات القرن الماضي حين كانت العلاقات العسكرية بين البلدين وثيقة للغاية. ذلك أنه منذ عام 1979، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطع الغيار بالنسبة للقوات الجوية الإيرانية التي تجد صعوبة منذ ذلك الحين في إيجاد طرق للالتفاف على الحظر.
لكن على الرغم من هذه التطورات المفيدة نسبياً لإيران، فإنها ما زالت تواجه مأزقاً استراتيجيا في ما يتعلق بالرد على الهجمات العسكرية الإسرائيلية والدعم الأميركي لإسرائيل في حال هاجمت إيران إسرائيل، كما حدث في 13 أبريل 2024. فرداً على هجوم استهدف سفارتها في دمشق، وأسفر عن مقتل جنرالين، أطلقت إيران ووكلاؤها 170 طائرة مسيّرة و30 صاروخ كروز و120 صاروخاً بالستياً ضد أهداف في إسرائيل. لكن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا دعمت إسرائيل واشتبكت مع الصواريخ الإيرانية. ولم تخلّف الضربات أضراراً كبيرة، وكان الافتراض هو أن إيران لم تسعَ إلى شنّ هجوم كبير هذه المرة. 
والواقع أن القادة العسكريين الإيرانيين يدركون أن عليهم أن يكونوا حذرين جداً بشأن ردهم على إسرائيل، وهم يعلمون أن هجوماً واسع النطاق قد يعني على الأرجح حرباً مع الولايات المتحدة. كما أنهم لا يرغبون في التباهي بقدرتهم على صنع سلاح نووي. ولئن كانت مسألة مدى قربهم من اكتساب القدرة على بناء سلاح نووي تشغيلي واختباره ونشره مسألة تكهنات، فإن أحد الأمور المؤكدة هو أن مثل هذا التطور من شأنه أن يؤدي حتماً إلى مزيد من الانتشار النووي في المنطقة، إذ من المحتمل أن يدفع ذلك دولاً أخرى إلى السعي إلى امتلاك برامج نووية خاصة بها. ومن نافلة القول أن من شأن شرق أوسط يعج بالأسلحة النووية، بجوار جنوب آسيا، حيث تمتلك كل من الهند وباكستان برامج تشغيلية، أن يؤدي إلى منطقة غير مستقرة.
وربما لهذا السبب أعلنت طهران مؤخراً أنها ستكون مستعدة للدخول من جديد في مفاوضات مع الولايات المتحدة وأوروبا للنظر في مقترحات جديدة للتوصل إلى اتفاق من شأنه الحد من برنامج إيران النووي. وإذا حدث ذلك، فإنه ينم عن إدراك صحيح للعواقب السلبية المتوقعة في حال الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» - واشنطن