تعقد بمدينة قازان الروسية، في شهر أكتوبر القادم، القمة الدورية لمجموعة «بريكس»، في أجواء مختلفة تماماً عن قممها السابقة، وذلك بعد أن تعززت المجموعة بانضمام خمس دول ذات ثقل اقتصادي وجيوسياسي كبير، من بينها ثلاث دول عربية، ليصل عدد أعضاء المجموعة إلى 10 دول، وذلك بعد إعلان الأرجنتين نيتَها عدم الانضمام بعد الانتخابات الأخيرة فيها.

وإلى جانب هذه البلدان، هناك العديد من طلبات الانضمام التي من المتوقع مناقشتها في الاجتماعات القادمة لبريكس، مما سيعزز الأهميةَ التي تكتسيها مع بدء تفعيل عمل مؤسساتها، مثل بنك بريكس للتنمية، والذي بدأ في تمويل مشاريعَ في بعض البلدان الأعضاء، مما سيشكل منافِساً للمؤسسات التمويلية الأخرى المماثلة، والتي قد تغير من شروطها المعقدة والتي لا تخلو من بعض النوايا السياسية. وفيما يتعلق بالتمويل، فقد أقر البنك في اجتماعه الأخير بجنوب أفريقيا آليةً جديدةً مختلفةً عن الآليات المتعارف عليها تتضمن من بين أمور أخرى العملَ على سد الفجوات التمويلية التي تعيق جهودَ التنمية وكذلك دعم توجهات التنمية المستدامة وتكامل عمليات التمويل بين مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص. وبالإضافة إلى الدول الأعضاء، فقد حصلت بعض البلدان من خارج المجموعة، مثل الجزائر وبنغلادش والأورغواي، على تفويض بالانضمام إلى بنك التنمية، وهو ما سيكسِب عملَ البنك الجديد طابعاً عالمياً من جهة ويمنحها قدراتٍ تمويليةً كبيرة بعد انضمام الأعضاء الجدد من جهة ثانية.

ويشكل انضمام دولة الإمارات أهميةً كبيرةً، كونها مركزاً تجارياً ومالياً عالميا مهماً سيترتب على انضمامه مكاسب للمجموعة من خلال تقوية مركزها في التجارة والتمويل الدوليين.

كما أن انضمام المملكة العربية السعودية سيضيف ثقلا كبيراً لبريكس بفضل قدراتها النفطية والجيوسياسية، مما سيؤدي إلى تقوية مركز المجموعة في موازين الطاقة العالمي. كما سيمنح انضمامُ مصر أهميةً لوجستيةً في مجال النقل والتجارة، وذلك على أهمية انضمام كل من إيران وإثيوبيا. والحال، فإن قمة بريكس القادمة ستشكل أهميةً خاصةً، وستضع المجموعةَ على قدم المساواة مع مجموعة السبع والمنظمات الأخرى، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، إذ أنه بانضمام الأعضاء الجدد سترتفع نسب مساهمة دول بريكس في الناتج المحلي العالمي ومن التجارة والتمويل الدوليين.

ويقع مقر بنك التنمية في مدينة شنغهاي بالصين التي تحتل المركز الثاني عالمياً كأكبر اقتصاد، وذلك إضافة إلى أهمية كل من روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.. الأعضاء في بريكس.ويعني ذلك أن العالم يقف على أعتاب تغيرات جذرية ستساهم القمة القادمة لبريكس في الدفع من خلالها نحو تعددية مراكز القوى وإضافة مؤسسات ذات طابع عالمي في مجال التنمية والتمويل منافسة للمؤسسات القائمة حالياً.

وهذا علماً بأن أعضاء مجموعة بريكس يعدون أيضاً أعضاء في المؤسسات الحالية، إلا أن نمط وأساليب وشروط مؤسسات بريكس الجديدة سيكون مختلفاً عن ما هو قائم حالياً لدى مؤسسات أُقيمت في ظروف مختلفة، ووفق قواعد والتزامات فرضتها موازين القوى في حينه، كاشتراط قيادة هذه المؤسسات من أطراف معينة لا يمكن تغييرها، في حين تتيح بريكس فرصاً متساويةً للدول الأعضاء.

ومن المتوقع أن تدشن هذه التطورات آفاقاً تنموية جديدة للبلدان النامية والناشئة والتي يمكنها الاستفادة ليس من عمليات التمويل التي سيوفرها بنك التنمية، وإنما أيضاً من الخبرات الفنية والقدرات التكنولوجية والمساعدات والتسهيلات التي يمكن لدول بريكس تقديمها للبلدان التي بدأت في اتخاذ إجراءات عملية للاستفادة من هذه الفرص، والتي يتوقع أن تتزايد أهميتها مع انضمام المزيد من الدول في المستقبل، لتتحول بريكس إلى مركز عالمي مؤثر في ظل ظروف دولية مختلفة يحكمها التقدم التكنولوجي والابتكارات في كافة المجالات، مما سيوفر إمكانيات كبيرة للتنمية المستدامة في مختلف البلدان، وعلى نحو يمكن استغلاله من خلال التعدد والتوسع في مجال المشاركات والتعاون متعدد الأطراف.

*خبير ومستشار اقتصادي