تسيطر على العالم حالة من التنافس في استثمار الذكاء الاصطناعي، باعتباره إحدى ركائز التنمية في عصرٍ عمادُه التكنولوجيا، وإمكانياته قادرة على التأثير في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، ولذا تهدف دول الخليج العربية إلى اللحاق بالركب العالمي، بل إن تكون فاعلاً دولياً في مجال الذكاء الاصطناعي، ولاسيّما أن هذا القطاع الواعد يسهم في التنمية والابتكار، وقد يحقق طفرة في المنطقة مع تقدير حجمه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 320 مليار دولار، بحلول عام 2023.

وتنشَط دول الخليج، خلال السنوات الأخيرة، في استثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وفي المقدمة منها دولة الإمارات، إذ تعتمد الدولة في تعاملاتها داخل المؤسسات على العمل التقني أكثر من العامل البشري، ولديها مراكز بحثية وجامعات لدراسة الذكاء الاصطناعي، ومنذ دخولها عالم الرقمنة، منذ سنوات، خلقت البنية التحتية والخدمية مناخاً جيّداً للمستثمرين.

وتتشارك شركة «جي 42» القابضة مع شركة «مايكروسوفت» في استثمار ضخم قُدّر بنحو 1.5 مليار دولار، لإدخال تقنيات مايكروسوفت المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ومبادرات تطوير المهارات إلى الإمارات، كما تستثمر الدولة جزءاً معتبراً من استثماراتها البالغة أكثر من تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي في الذكاء الاصطناعي، كما يُقدَّر حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الإمارات بنحو 5.22 مليار دولار في عام 2024، ضمن خطط الدولة للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات، وتحليل البيانات، بمعدل 100% بحلول عام 2031. وتخطط السعودية لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، في سياق جهود تنويع الاقتصاد، والتنافس على المستوى الدولي، وجذب استثمارات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي بقيمة 20 مليار دولار بحلول 2030.

أما قطر فتعمل على نشر الذكاء الاصطناعي في الأمور الحياتية والحوكمة في البلاد، وتشجع الأعمال التجارية على تبنّي حلول التقنية حتى سجَّل حجم السوق نحو 31 مليون دولار في 2022، فيما تركز استثمارات الإمارات والسعودية وقطر في الذكاء الاصطناعي على الصحة والتعليم والإعلام والقطاع المالي.

ومع تباين تقدُّم الدول في التكنولوجيا، من الواضح أن الإمارات والسعودية أكثر الدول الخليجية استثماراً في الذكاء الاصطناعي. وعلى مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي 2023، الصادر عن شركة «تورتواز ميديا»، تصدّرت دولة الإمارات عربياً وخليجياً المركز ال28 عالمياَ من بين 62 دولة حول العالم، ثم جاء بعدها بثلاثة مراكز السعودية بالمرتبة الـ31 عالمياً، وبعدها اتسعت الفجوة لتأتي قطر في المركز الـ42، ثم البحرين في المركزالـ58 على مستوى الدول. وقد يغيّر للذكاء الاصطناعي من إمكانيات وقدرات الدول، خاصة مع امتلاك التقنية والقدرة على تطويرها، ومنطقة الخليج العربي قادرة على بناء نموذجها الخاص بالذكاء الاصطناعي، لأنها تكنولوجيا تعتمد على الكوادر البشرية في برمجة وبناء النماذج التقنية. وبشراكة الحكومات مع القطاع الخاص يمكن تحقيق قفزات، غير أن هذا لن يتحقق دون الاهتمام بالبحث والتطوير وتوظيف رؤوس الأموال في الاستثمار في أبحاث التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ورعاية المبتكرين لتحقيق قيمة مضافة للاقتصادات الخليجية.

وإذ كنّا نطمح إلى إحداث تقدم في الذكاء الاصطناعي يدفعنا بقوة إلى التنمية الاقتصادية، فإن التعاون على المستوى الإقليمي والدولي في إنتاج تطبيقات الذكاء الاصطناعي سبيلُنا في هذا المضمار، لأن سوق تطبيقات الذكاء الاصطناعي الدولي ليس متاحاً طوال الوقت، وأحياناً تحظر الدول المصدّرة للتكنولوجيا استخدام بعض البرامج، في ظل الصراع على تطوير التقنيات. وعبر استقطاب المواهب من حول العالم يمكن تزاوج العقول مع رؤوس الأموال لتحقيق طفرات في الذكاء الاصطناعي، وتعظيم القدرات على الساحة العالمية.

وبالرغم من سعي دول الخليج العربية إلى إنجاز نموذج في توطين التكنولوجيا، فإن هناك تحديات تتعلق بنقص الخبرات والبيئة التنظيمية والتمويل، ومن الضروري عدم الاستناد إلى خطط لتطوير الذكاء الاصطناعي، دون نظم قانونية تساعد على التوسع في استخدام التقنيات، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي عبر معايير خلّاقة، وتشجيع الابتكار والبحث العلمي والاهتمام بالتعليم والتدريب، حتى نستغلّ الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية وتحسين الكفاءة وتحقيق متطلبات التنمية. ومع توفر الإرادة، يمكن تحقيق طفرة اقتصادية مستقبلية تظهر ملامحها مع كل خطوة من العمل الجادّ على مسار تطوير الذكاء الاصطناعي.

*باحث رئيسي - رئيس قسم الذكاء الاصطناعي ودراسات المستقبل- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.