بالرغم من الحديث الأميركي والإسرائيلي حول طبيعة اليوم الثاني في غزة، وكيف سيحكم القطاع، ومن سيكون له إدارة المشهد في ظل عدم تقبل أي دور لحركة «حماس»، فإنه وعلى الجانب الآخر يستمر الحديث الفلسطيني في غزة ورام الله عن اليوم الثاني من منظور آخر، ومن خلال مقاربة تؤكد بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وأنه لا تغيير سيحدث بدليل استمرار حركة «حماس» في صدارة المشهد السياسي والأمني حتى الآن.

وبعد الاقتراب من مرور عام على بدء الحرب في غزة، فإن الرهانات الإسرائيلية والأميركية على إقصاء «حماس» قد انتهت، أو تلاشت في ظل استمرار التفاوض مع حركة «حماس» عبر الوسطاء، وأنها بالفعل تراجعت عن بعض ما طرحته من قبل، وعينت حاكماً عسكرياً في قطاع غزة للتنسيق، والتعامل مع الوضع الداخلي. وفي مقابل الطرح الإسرائيلي، لم تعد الإدارة الأميركية تعلق كثيراً عن وجود أو عدم وجود تعامل لاحق مع الحركة، ولا تريد استباق الأوضاع، وقد تنطلق للتعامل مع «حماس» بحكم سياسات الأمر الواقع ما يرفع صفة الإرهاب عن الحركة.

وفي إطار واقعية سياسية تتعامل معها الحركة، ومن خلال مقاربة حقيقية في التعامل مثلما جرى مع حركة «طالبان» والتيار «الحوثي» ما يشير إلى أن فكرة اليوم الثاني لم تعد كما كانت في الأشهر الأولى من الحرب الراهنة، والتي تتعامل انطلاقاً من ثوابت وتعاملات حقيقية لا يمكن تجاوزها في الفترة المقبلة من التعامل مع وضعية القطاع، أو إعادة الترتيب للحسابات السياسية والاستراتيجية للطرفين الأميركي والإسرائيلي معاً، خاصة في ظل تعامل حقيقي مع البدائل السياسية والاستراتيجية الراهنة. وبعد أن تباطأت الإدارة الأميركية في تقديم نص المقترح المعدل بعد أن دخلت حركة «حماس» وغيّرت مواقفها ما قد يضيف واقعاً جديداً قد يدفع الولايات المتحدة للتراجع، وعدم المبادرة بأي طرح مستجد.

وفي المقابل، فإن إسرائيل وحركة «حماس» تنتظران اليوم الثاني في الولايات المتحدة مع التحرك في اتجاه التعامل مع القادم، سواء كانت المرشحة «الديمقراطية» كامالا هاريس، أو عاد «الجمهوريون» لدفة الحكم في البيت الأبيض، من خلال الرئيس السابق دونالد ترامب.

الأطراف تنتظر اليوم الثاني، كلٌ وفق مقاربة سياسية مختلفة، وإنْ كانت ستحدد إطار التعامل والمراجعة التي يمكن أن تفرزها نتائج ما يجري على الأرض، ويرتبط بالفعل بالسيناريو القادم، والذي سيغير كثيراً من الوقائع في حال الانخراط في تسوية ما بناء على أي مقترح، سواء كان للرئيس جو بايدن، أو القرار الأممي بهذا الشأن، ما يؤكد أن الأطراف كلها في حاجة إلى الالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأولويات والمهام، وهو ما يعمل عليه الجانب الإسرائيلي الرافض لأي تسوية مقترحة مع الدوران في المكان نفسه مستخدماً معطيات متعلقة بالتفاوض مع الأطراف كلها. فقد عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يتحدث عن ثوابته في المفاوضات، وعلى رأسها الممرات، وعدم السماح بعودة مفتوحة للفلسطينيين إلى الشمال، والتأكيد على أن إسرائيل تواجه حرباً على سبع جبهات. لم يعد يهم الحكومة الإسرائيلية تحرير المحتجزين، حتى لو أقدمت الولايات المتحدة على إتمام صفقة منفردة مع حركة «حماس» بشأن محتجزيها الأميركيين، ما قد يمثل ضغطاً حقيقياً على إسرائيل لإتمام الصفقة والانخراط في إتمامها قبل رحيل الإدارة الأميركية الحالية، وهو أمر يختصر فعلياً ما يجري من وقائع حقيقية خاصة، وأنه بافتراض إتمام المرحلة الأولى فمن سيضمن المراحل التالية؟ أو يضمن تحصين الاتفاق من أي مغامرات إسرائيلية جديدة ورهانات على المدى المنظور؟ ما يشير بالفعل إلى غياب فكرة التعهدات المطلوبة، أو الضمانات التي يمكن للإدارة الأميركية تقديمها.

إن فكرة اليوم الثاني بالنسبة للأطراف كلها ستبقى رهينة لحسابات عدة ورؤى مختلفة، وسيناريوهات مرتبطة بما هو قادم من خيارات رئيسة وحقيقية تعمل في اتجاهات عدة، خاصة أن الأطراف كلها في حاجة إلى سياسة واقعية وصفقة أشمل، وليس فقط مجرد تحرير المحتجزين والأسرى، فهذا أمر قد يتم اليوم أو غداً في ظل إدارة «جمهورية» أو «ديمقراطية»، وإنما الأساس الانتقال إلى واقعية التعامل في ظل احتمالات التغيير في المعادلة الرئيسة، ومنها تغييب أو غياب «حماس» على سبيل المثال في غزة، أو حدوث تغيير في رأس السلطة الفلسطينية، ومواجهة مأزق إبقاء اتفاقية أوسلو قائمة، برغم ما تقوم به إسرائيل من اقتحامات وانتهاكات في عمق المخيمات الفلسطينية، ما يؤكد أن إسرائيل ليس دافعها في التعامل فقط مع اليوم الثاني في غزة، بل في رام الله أيضاً.

الأطراف كلها تنتظر اليوم الثاني، ولكن الأهم ليس في الانتظار، وإنما في تحقيق مصالح كل طرف، مع التأكيد على أن كل خيار، أو سيناريو سيكون له ارتداداته.. وبقية الأطراف في المعادلة لا تزال في حالة سيولة وعدم استقرار.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.