في الوقت الذي أعلنت فيه بغداد اتفاقَها مع واشنطن على انسحاب قوات التحالف بقيادة الجيش الأميركي من العراق على مرحلتين متتاليتين في عامي 2025 و2026، يسعى وزير النفط العراقي حيان عبد الغني إلى تقديم مزيد من العروض والمغريات للشركات الأميركية للدخول في استثمار الغاز في محافظة الأنبار ومنطقة نينوى التي ما زالت تعتبر من المناطق الساخنة التي تنشط فيها خلايا تنظيم «داعش» الإرهابي، لذا ابتعدت عنها الشركات الصينية، فيما يرى المراقبون أن الشركات الأمير كية تتمتع بقدرات كبيرة لتوفير الحماية الأمنية للرُّقع الاستكشافية.

لقد سبق لشركات عراقية وأميركية أن وقّعت في أبريل الماضي، سلسلةَ اتفاقيات بحضور رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي كان يزور الولايات المتحدة، ومسؤولين أميركيين، لاستغلال الغاز الطبيعي، في إنتاج الكهرباء، ومعالجة 300 مليون قدم مكعب يومياً في حقل بن عمر النفطي. ومن بين الشركات الأميركية الموقعة: شركة «كيه بي آر» و«بيكر هيوز» و«جنرال ألكتريك». وتشمل الاتفاقياتُ مدَّ خطوط أنابيب بطول 400 كيلومتر لنقل الغاز، ومنشأةً بحريةً للتصدير، ومحطةً لمعالجة الغاز.

وأبدت شركات أخرى استعدادَها لتقديم عروض مشارِكة في استثمار الحقول المعروضة في جولَتي التراخيص الخامسة والسادسة. لكن خلافاً للبيان المشترك الصادر في ختام زيارة السوداني، والذي «رسم خريطة طريق» لمستقبل العلاقات بين البلدين، وفتح الأبوابَ أمام الاستثمار الأميركي في مشاريع النفط والغاز، فقد غابت الشركات الأميركية عن جولتي التراخيص اللتين جرتا بين 11 و13 مايو الماضي، وفازت بنتيجتهما الشركاتُ الصينيةُ التي أصبحت مسيطرةً على 13 حقلا نفطياً وغازياً. أما الأسباب فهي سياسية وأمنية بامتياز، إضافة إلى صعوبة الشروط وتضاؤل الأرباح، وعدم القدرة على منافسة الشركات الصينية التي قدمت عروضها بأسعار منخفضة جداً.

وبما أنه تم إنهاء 14 رقعة من أصل 29 رقعة طرحتها وزارة النفط، فهذه الأخيرة تخطط حالياً لجولة تراخيص جديدة بعرض 10 رُقَعٍ غازية متبقية على شركات أميركية متخصصة، خلال الزيارة المرتقبة للوزير عبد الغني إلى الولايات المتحدة. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن العرْض العراقي يشمل حقولا صغيرة لا تجذب الشركات الكبرى، فإنه من المرجح أن يجري التركيز على شركات صغيرة، لا سيما في ظل مبدأ مشاركة الأرباح الذي اتبعته وزارة النفط مجدداً، وذلك بدلا من نموذج «عقود الخدمة» الذي يوفر لها ربحاً ضئيلا.

وفي هذا السياق، وقّع العراقُ مؤخراً اتفاقاً مبدئياً مع الشركة البريطانية «بي بي» على أساس تقاسم الأرباح، ويشمل تطوير 4 حقول للنفط والغاز في منطقة كركوك، حيث يمكن استخراج نحو 9 مليارات برميل نفط، على أن يتم توقيع الاتفاق النهائي قبل نهاية العام الحالي. أما بالنسبة للشركات الأميركية فهي غير متمسكة بمبدأ «المشاركة بالأرباح»، وترغب في عقود «المشاركة في الإنتاج»، خلافاً للقوانين العراقية التي تمنع ذلك.

وعلى الرغم من أن العراق يمتلك احتياطاتٍ كبيرةً من الغاز، تقدر بنحو 250 تريليون متر مكعب، فهو يعاني أزمةَ وقود الغاز الذي يعتبر الممول الرئيسي لمحطاته الكهربائية، ويضطر إلى استيراد معظم حاجته الاستهلاكية من إيران، وبسبب العقوبات الأميركية على إيران تضطر واشنطن - منذ عام 2018 - لإصدار إعفاءات للعراق تسمح له بشراء الغاز والكهرباء من طهران. ولذلك يمثل تعزيز استقلال العراق في مجال الطاقة، وتقليل اعتماده على الاستيراد، هدفاً رئيسياً للسياسة الخارجية الأميركية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية