التنمر عموماً فعل لا أخلاقي، ولا يدرك كثيرون تأثيره على من يتعرضون له، لكنه أكثر ما يؤثر على سلامة صحة الأطفال النفسية، ويعيق قدراتهم على الاندماج، ويعرقل عملية إقامتهم علاقات سوية وصداقات وثيقة مع الآخرين، كما أنه أحياناً يعطل قدراتهم على التفاعل مع مجتمعاتهم. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، فإن التنمّر هو نمط سلوكيّ متكرّر، وليس حادثاً منفرداً، وعادة ما ينطلق الأطفال الذين يمارسون التنمّر من تصورهم بأنهم في وضع اجتماعي أرفع أو موقع قوة، كالأطفال الأكبر حجماً، أو الأكثر قوة بدنيّاً، أو ممن يسود تصور عنهم بأنهم يتمتعون بالشعبية بين أقرانهم.
وفي السياق ذاته أثبتت الدراسات العالمية كافة أن الأطفال هم الفئة العمرية الأكثر عرضةً للتنمر، فنحو 43% من الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت للتخويف والمضايقات بأشكالها كافة بشكل دائم، إضافة إلى أن 20 % من الأطفال تأثرت حياتهم سلباً، وبشكل خاص رغبتهم في الذهاب إلى المدارس والانتظام في التعليم، الأمر الذي يجعل من التصدي للتنمر بأشكاله كافة أولوية لجميع مؤسسات المجتمع، وذلك من خلال برامج التوعية والورش والندوات التي باتت حاجة ملحة لحماية الأطفال وضمان حقهم بعيش حياة سليمة ينعمون فيها بالأمان، ويشعرون بالانتماء لمجتمع قادر على احتضانهم وحمايتهم من المخاطر. فالتنمر يمكن له أن يترك آثاراً ضارة وطويلة الأجل عليهم، فبالإضافة إلى التأثيرات البدنية، يمكن أن يتعرض الأطفال لمشاكل عاطفية وعقلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق اللذان يؤديان إلى مشاكل نفسية أكبر.
وبروح المسؤولية المجتمعية، وفي مستهل هذا العام الدراسي، أطلق المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في الإمارات فيلماً توعوياً حول سبل وأهمية الوقاية من التنمر، وذلك من أجل بث الإيجابية في البيئة المدرسية، ومواكبة التزام الإمارات بدعم حقوق الطفل التي ينص عليها قانون «وديمة» الصادر عام 2016، والذي رافقه حينها برنامج الوقاية من التنمر في المدارس الذي أطلقه المجلس أيضاً بتوجيهات من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات».
وتأكيداً على أهمية معالجة موضوع التنمر؛ فقد شاركت المؤسسات الإعلامية في الإمارات في حملة التوعية تلك من خلال مشاركة الفيلم على مواقعها في منصات التواصل الاجتماعي، وهذا جزء من الجهود التي تقدمها في هذا المجال.
إن الحديث عن الطفل، والتوعية بشأن حقوقه أمر متواصل في الإمارات، وفي كل مناسبة تطلق المؤسسات المعنية حملات عدة بهذا الخصوص. وهو ما قامت به مؤسسة التنمية الأسرية في مارس الماضي بمناسبة يوم الطفل الإماراتي، والذي جاء تحت شعار «حق الطفل في الحماية».
في فعاليات تلك الحملة حرصت المؤسسة على ضرورة تمكين وتوعية الأطفال ورفدهم بالمهارات الاجتماعية من خلال تطوير المهارات اللغوية والمعرفية لديهم لتعزيز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، وضمان إكسابهم المعارف في مجال الحماية الشخصية بما يتناسب مع خصائصهم النمائية لتنشئة جيل قوي قادر على بناء نفسه ومجتمعه.
إن الاهتمام بهذه القضية مسألة لا مفر منها لكونها تنسجم مع ضرورة بناء إنسان سليم نفسياً للاستثمار فيه باعتباره الثروة الأغلى، والرهان عليه كبير لمستقبل البشرية جمعاء، كما أن التعامل مع إيجاد حلول للقضاء على التنمر - وخصوصاً بين الأطفال المراهقين - ليس ترفاً، إنما هو حاجة ملحة بعد أن أصبح ظاهرة عالمية زادت نسبتها كثيراً في السنوات الأخيرة نتيجة عوامل كثيرة، وخصوصاً مع اتساع مساحة العالم الافتراضي، وسهولة وصول الأطفال والناشئة إلى مواقع التواصل الاجتماعي.