يُعد تطور البنية التحتية وقطاع الطاقة الكهربائية على وجه الخصوص من أهم المقومات الداعمة للأنشطة التنموية والحركة الصناعية والتجارية في دول العالم، وتواصل دولة الإمارات، خطواتها الحثيثة لتطوير قطاع الطاقة الكهربائية لديها لمواكبة حجم التوسع في الأنشطة التنموية والاقتصادية والصناعية، ويأتي التشغيل التجاري لمحطة الطاقة النووية الرابعة في «براكة»، الذي انطلق مؤخراً، ليشكل تتويجاً لجهود كبيرة، بذلت خلال الأعوام الماضية، منذ تأسيس برنامج الإمارات للطاقة النووية.فقد أعلنت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية أنها قامت بمراجعة تفاصيل المحطة، من اختيار الموقع والتشييد والاختبارات، وصولاً للتشغيل، لضمان أن المشغل ملتزم بكافة المتطلبات الرقابية لضمان سلامة المجتمع والبيئة.

وقد أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بهذه المناسبة، إلى أن محطات براكة للطاقة النووية أكبر مصدر للطاقة النظيفة في المنطقة، أكملت، بحمد الله التشغيل التجاري الكامل لمحطاتها، وأضافت أكبر نسبة كهرباء نظيفة للفرد في السنوات الخمس الماضية على مستوى العالم.

يُعد البرنامج النووي السلمي الإماراتي برنامجاً استراتيجياً في مجال البنية التحتية، ويحظى بأهمية محلية ودولية، وتُعد محطات «براكة» حجر أساس للبرنامج، ومن المرتقب أن يصل إنتاج المحطات حال عملها بطاقتها التشغيلية الكاملة إلى 5600 ميغاواط من الطاقة الكهربائية الصديقة للبيئة على مدار الساعة، أي ما يعادل نحو 25% من احتياجات دولة الإمارات للكهرباء، ما يشكل دعماً كبيراً لمسيرة التنمية في الدولة. تمارس محطات «براكة» دوراً كبيراً في الحد من الانبعاثات الكربونية، حيث تنتج المحطات الكهرباء دون صدور للانبعاثات، ويمكن النظر إلى إنتاجها الكلي على أنه يعادل الحد من 22.4 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، وهذا يدعم جهود دولة الإمارات في خفض البصمة الكربونية لقطاع الطاقة، والقيام بدور أساسي في تحقيق أهداف مبادرة الدولة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، والوفاء بالتزامات الدولة في «اتفاقية باريس» المناخية.

تُعد «نواة»، التابعة لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية، الشركة المسؤولة عن تشغيل وصيانة المحطات النووية الأربعة في «براكة»، وتخضع إجراءات العمل في الشركة إلى المراقبة عن كثب في جميع الأوقات، التي يتم إجراؤها وفقاً لأفضل الممارسات الدولية والإجراءات الصارمة. كما يخضع العمل في محطات «براكة» لقوانين حظر الانتشار النووي الدولية، التي أولتها دولة الإمارات أهمية كبيرة، وتتعامل معها بشفافية كاملة، فقد ارتكزت وثيقة السياسة الخاصة بتطوير برنامج الطاقة النووية السلمية الصادرة عام 2008 على معايير واضحة في هذا المجال، من أبرزها الشفافية التشغيلية التامة، وضمان أعلى معايير حظر الانتشار النووي، وترسيخ أعلى معايير السلامة والأمن، والتنسيق المباشر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والالتزام بمعاييرها. شكلت الكفاءات الإماراتية عنصراً أساسياً في دفع عجلة البرنامج النووي السلمي الإماراتي، وتواصل هذه الكفاءات تقدمها بخطى ثابتة، حيث تمارس دوراً محورياً في تشغيل وصيانة محطات «براكة». فقد شارك منذ بدء مشروع محطات «براكة»، نحو 2000 مواطن ومواطنة في عمليات التطوير بمختلف القطاعات والمجالات.

وفي إطار تمكين الكوادر الإماراتية، أطلقت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، منذ عام 2009، عدداً من البرامج التدريبية والمنح الدراسية لتطوير جيل جديد من الخبرات الإماراتية، ومن أبرز هذه البرامج دبلوم التكنولوجيا النووية، الذي طوَّرته شركة «نواة»، والذي يوفِّر للطلبة الإماراتيين خريجي المدارس الثانوية، تدريباً يؤهِّلهم ليصبحوا مشغِّلين ميدانيين في محطات «براكة». تعد «براكة» ركيزة أساسية للتنمية في دولة الإمارات من خلال توفير الطاقة الكهربائية الموثوقة واللازمة لقطاعات الصناعة والنقل والأنشطة التجارية والخدمية في الدولة، كما أنها تمارس أدواراً حيوية اجتماعية واقتصادية عدة، بدايةً من تدريب وتأهيل الكوادر المواطنة ودعمها، وصولاً إلى توفير فرص العمل عالية المستوى تثري المعرفة العلمية وتصقل الخبرات العملية، وتحقق فوائد تنموية متعددة. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.